كالدو..
تقرير: أڤــيـــن الـــكـردي
يحتاج الأطفال إلى رعاية الأم والأب معًا بعد الطلاق مثلما هو الحال قبله، إلا أن ما يحدث أن يقيم الأطفال مع أحد الأبوين، وعادةً ما تكون الأم الحاضنة للأطفال.
لكن ماذا لو اختارت الأم المضي في حياتها الزوجية وأن ترجع للاستقرار الأسري بزواجها من آخر؟
لماذا أعطى القانون الحق للرجل في الزواج مرة أخرى محتفظاً بحضانـة الأطفال وأسقط هـذا الحق عن المرأة؟!
لماذا يحرم الطفل من حقه الفطري بالتمتع بحنان أمه لأنها تزوجت بآخر؟
تتسائل المطلقات في الأردن عن المنطق الذي يرى أنه من الممكن للغريب أن يكون أحن على الأطفال من أمهم، أم هو فقط منع المرأة من الزواج ثانية بعد طلاقها حتى لا تحرم من أبنائها، فتحرم بذلك من حقها في خيارات حياتية تناسبها.
حضانة الأطفال بعد انفصال الوالدين هي إحدى القضايا الشائكة التي تثير جدالاً واسعاً بين المطلقات والحقوقيات اللاتي يطالبن باحتفاظ الأم بحضانة أولادها حتى بعد زواجها الثاني، وهمالك قانون معمول به يحرم الأم من حضانة أبنائها بمجرد إقدامها على الزواج من آخر، و يلغي بذلك أمومتها و يلغي إرادة الطفل بالبقاء مع أمه و يترتب على ذلك انهيار خطير على المنظومة الأسرية و تشوه أسري من الصعب حله.
بين قضيتين رندة (اسم مستعار) تقول لـ "كالدو": إن طلقيها لم يكن يقوم بأي واجب تجاه طفله من بعد طلاقهما، لا ينفق ولا يقوم باصطحاب طفله ولا حتى في الأعياد .. لكن أثار حفيظته عقد قرانها و لم يتوان لحظة عن طرق أبواب المحاكم لانتزاع حضانة الطفل من أمه مما دفع رندة لطلب الطلاق من زوجها الثاني كي لا ينتزع طفلها من حضنها بالرغم من أن زوجها لم يمانع من تربية طفلها وسد فراغ أبيه.
وأوضحت رندة: أنا الآن بين قضيتين، قضية خلع مع الزوج الثاني و قضية ضم لطفلي مع الزوج الأول.. "لا أستطيع وصف التشتت الذي أمر به الان و الألم النفسي الذي اضطرني لاختيار بتر جزء مني لإنقاذ جزء آخر".
كثير من السيدات اللاتي استطلعنا آرائهن في "مجلة كالدو" قلن إن الطليق "يرمي" الأطفال لجدتهم أو عمتهم لعدم تفرغه لتربيتهم و الاعتناء بهم وهدف الكثير منهم فقط الاضرار بالطليقة كي لا تكمل حياتها بشكل هانئ و مستقر مع الزوج الثاني بالرغم من إعفائه من دفع النفقات التي هي واجب طبيعي و شرعي و قانوني، وحتى من المؤخر عند الطلاق.
فاديا قالت بدورها: إنه عند زواجها تم ضم حضانة طفليها لأبيهم لكن رفضتهم زوجة أبيهم فاضطر الأب للذهاب بهم لجدتهم التي لم تكن أيضاً على وفاق مع فاديا ، وقالت "بتكره ولادي زي ما بتكرهني.. و خلتهم عندها زي الخدم و بتضربهم هي و عماتهم.. و أنا بسمع هالحكي و جواتي نار ما بتنطفى..".
النتيجة مرض السكري ودعت ريما طفلتها يوم ما انتزعت منها بموجب القانون عند عقد قرانها بانهيار أصابها و طفلتها، انتهى بإصابتها بمرض السكري.
وساءت حالة طفلة دانية التوحدية عند ضمها لحضانة أبيها لأن زوجة أبيها لا تهتم بها و تعنفها عندما تنزعج منها و قالت " حالة بنتي بالذات بدها رعايتي ما حدا زيي رح يعرف يتعامل معها أو يتحملها ولا حتى أبوها نفسه" و أضافت أن زوجها هو أخصائي توحد و تطور نمو الطفل و هو أقدر أيضاً على التعامل مع طفلتها بشكل أفضل من طليقها الذي لم يدرك إساءة تعامل زوجته مع طفلته التوحدية.
أولادي كرهوني طليق ساندرا و أهله يزرعون برؤوس أطفالها أنها أم غير جديرة بالاحترام و يروون لهم روايات ما أنزل الله بها من سلطان و صرحت "اولادي كرهوني مع إني حاربت عشان يضلوا معاي و حتى زوجي مش ممانع وجودهم معاي.. معقول هاي تبقى ضريبة حملي و تعبي؟"
الجانب النفسي
الأستاذ الدكتور حسين أبورياش أستاذ علم النفس التربوي تحدث ل مجلة كالدو قائلاً: ان حضانة الأبناء موضوع شائك يحفه الكثير من المخاطر التي تهدد الأم والأبناء في الوقت نفسه، وعلى الأم أن تحرص على حفظ أبنائها نفسيًا وبدنيًا حتى لا يخرج إلى المجتمع جيل مشوه نفسيًا لا يسهم في البناء، بل على العكس يكون أداة لهدم أصول وقواعد المجتمع.
"إن تكوين العلاقات القوية من الركائز الأساسية في النمو، خصوصًا علاقة الصغير بأمه، تترك أثرًا قويًا في تطور الطفل من مختلف الجوانب الانفعالية والاجتماعية والمعرفية، وتقر معظم الدراسات النفسية بأهمية هذه العلاقات، وتأثيرها العميق في نمو الطفل وتطوره".
وأضاف أبو رياش إن النظريات والدراسات النفسية تشير إلى أنه من المهم للصحة العقلية أن يتمكن الطفل من إقامة علاقة متميزة قوية ومستمرة وبتجربة عميقة وحارة غير متقطعة مع أمه.
مبيناً أن الدراسات تشير الى أن انفصال الطفل عن أمه باعتبارها الحاضن الآمن، والقاعدة الآمنة للطفل يترك آثارًا عميقة في النمو العاطفي، وفي النمو الاجتماعي، خاصة وأن تعلق الطفل بأمه يعتبر من الدوافع الأولية، بل عدها بعض علماء النفس دوافع غريزية، وأن التعلق بين الأم والطفل يتجاوز تلبية الحاجات البيولوجية.
قانونكم خطر على الطفولة تأثير انفصال الطفل عن أمه وعن قاعدته الآمنة، باعتبارها الحاضن الأول للطفل سيسبب له الإحساس بالخسارة، ولجوئه إلى سلوكيات سلبية لمواجهة الألم الشديد الذي داهم قلوبهم الصغيرة نتيجة هذا الانفصال كالعدوانية و العصبية الزائدة و الحركة الزائدة المفرطة و مراودته للكوابيس الليلية و اضطرابات النوم والتبول اللاإرادي وقضم الأضافر ومص الأصابع و السرقة و الكذب والشرود و تدهور المستوى الدراسي ،وفقاً لأبو رياش.
وقال أما ما يخص الأثر النفسي على الأمهات أصعب ما تمر به المطلقات هو حرمانهن من أطفالهن، ومقايضة طليقها لها حال رغبتها برؤية أبنائها أو أرادت ان تحتضنهم ويعيشوا معها فقد يشترط الزوج على طليقته شروطا صعبة أو يجبرها على العودة إليه بعد أن أذاقها الحرمان والقهر مع أن المرأة أكثر تعلقا بأطفالها لما حباها الله عز وجل من العطف والرقة والرحمة والحنان.
وأضاف أن الأزواج الذين يمنعون الأم من أطفالها بعد الطلاق ينشأ الطفل في حياة ليس فيها عطف وحنان الأم (فرددناه الى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون) .
من جانبه قال المحامي الدكتور عاكف المعايطة أن حضانة الأطفال بعد زواج الأم موضوع حساس جداً لأن المشاكل بين الزوجين تؤثر على الأطفال و هم المتضرر الوحيد، في القانون الأردني الحضانة في الأصل للأم، لكن يوجد نص في قانون الأحوال الشخصية أن حضانة الأم تسقط في حال تزوجت، وكخبرتي أكثر من 35 سنة في المحاكم الشرعية أن الأمهات يتطلقن في عمر الثلاثينات وهذا العمر فعلياً عمر زواج لكن نحذرها من الزواج كمحاميين بانه سيسقط حقها في الحضانة في حال زواجها فتحجم السيدة عن الزواج أو تضطر للزواج العرفي أو عقد القران خارج الأردن.
واوضح" يوجد مبادرات إنسانية من منظمات المجتمع المدني بأن لا تحرم الأم من أطفالها في حال زواجها ، خاصة أن زوج الأم هو محرم على أطفالها و يقال في الشرع "الدخول في الأم يحرم على البنات" ولا يوجد نص في تحريم العيش مع زوج الأم و زوج الأم ليس بغريب يقال له الربيب،الحياة تطورت و قانون الأحوال المدنية تم تعديله ويجب أن يواكب التطور ويتغير بالخصوص أيضاً".بحسب المعايطة.
وأضاف أننا بحاجة لاعادة النظر بقانون حضانة الأم المتزوجة لأولادها و آن أوان أن لا تحرم الأم من أطفالها في حال تزوجت .
وتنص الفقرة ب من المادة 171 من قانون الاحوال الشخصية على أنه ".. يشترط في مستحق الحضانة إذا كان من النساء أن لا تكون متزوجة بغير محرم من الصغير".
ما رأي الشرع؟ أما من الجانب الشرعي فقد أفاد الدكتور ابراهيم الجرمي أن الأصل ما بعد الطلاق "ولا تنسوا الفضل بينكم" أي يجب على الطليق و الطليقة الاتفاق على كل جوانب الحياة بما يخص أطفالهم لأنه يهمنا بالدرجة الأولى مصلحة الطفل وإذا تم الاتفاق بأخلاقهم القضاء لا يتدخل، وشرعاً هذه القضية فقهياً تحتمل الكثير من الأوجه نرى المذهب المالكي في المغرب أن المرأة أحق بالحضانة لو تزوجت و لا مانع للمشرعين لقوانين الأحوال الشخصية باتباع هذا الرأي والتعديل، كما عدلوا قبل ذلك في سن حضانة الولد و الوصية الواجبة.
وأضاف "دائماً يجب أن نراعي مصلحة الصغير سواء مع أمه أو أبيه ويجب أن نؤكد على البعد الإنساني الأخلاقي و الراقي الذي أراده الله عز و جل بأن لا تنسوا الفضل بينكم ولا تضار والدة بولدها لو كل شي يتم بالاتفاق لن يتم الاضرار بأي طرف بعد الطلاق".
وأوضح أن "زوج الأم محرم و لايوجد أي حرمه بأن يعيش معه أطفال زوجته لكن نخشى من عدم شعوره بنفس شعور الأب لطفله حيث أنه لا يوجد رابطة الدم".
كالدو: وتبقى حضانة الأطفال من حقوق المرأة بعد زواجها بآخر، قضية تحتاج إلى إعادة النظر من ناحية تعديل التشريعات الناظمة بما يسمح أن تتمكن الأم من استمرار حياتها الزوجية الجديدة في الوقت الذي تحتفظ فيه بحضانة أولادها من زوجها السابق طالما أن الزوج الثاني لا يمانع في ذلك.