كالدو...
فاطمة العفيشات
أعلنت الهيئة المستقلة للإنتخاب إغلاق باب الترشح للإنتخابات البلدية واللامركزية , مشيرتاً أن المنافسة على منصب رئاسة البلديات في الأردن اقتصرت على الرجال، فلم تتقدم سيدة واحدة للترشح لمنصب رئيس البلدية.
تقول عايدة وهي ممرضة متقاعدة حصلت على أعلى نسبة أصوات للمجلس المحلي والذي ألغي للدورة القادمة؛ وترشحت لعضوية البلديات للدورة القادمة, أنه ورغم المنصب الذي شغرته لمدة 4 سنوات لازالت بحاجة لتمكين نفسها أكثر لتولي منصب رئيس بلدية لإيمانها أن الشخص لا يمكنه الوصول مرة واحدة دون صعود السلم تدريجياً (حسب وصفها).
وأضافت الدعيسات الى أن طبيعة المنطقة العشائرية لم تشجعها على خوض المنافسة على رئاسة البلدية، مستذكرة ما حدث مع سيدتين من نفس المنطقة والعشيرة اللتان ترشحتا للمجلس النيابي في دورته الثامنة عشرة وحصلتا على مقعدين بالتنافس, وعند تشرحهن للدورة التاسعة عشرة (المجلس الحالي) واجهن العقل الذكوري بجمل "النسوان يحكمن ويرسمن.. ما في ولا زلمة " لتفشل السيدتان بالوصول إلى المجلس نظرا لعدول المجتمع عن التصويت لصالحهن .
تطالب الدعيسات المنظمات والجهات الحكومية الوصول أكثر إلى المناطق النائية والبعيدة، وعقد دورات مكثفة للسيدات هناك لتمكينهن وتعريفهن أكثر بالقوانين والأنظمة وآلية التعامل مع المناصب, خصوصا وأن بعض الدورات التي عقدت في المنطقة حفّزت النساء على خوض الانتخابات المحلية للامركزية وعضوية البلديات, مشيرة إلى نيتها الترشح لرئاسة البلدية إن تسنى لها تمكين ذاتها أكثر حتى الدورة المقبلة.
يشار الى أن وزارة الإدارة المحلية ألغت في قانونها الذي أقر قبل ستة أشهر فِكرة تشكيل مجالس محلية ضمن البلديات, وأعادة تقسيم البلدية إلى دوائر انتخابية، لغايات الحد من تضارب الصلاحيات بين المجالس البلدية والمحلية، والحد أيضاً من التكاليف العالية بحسب تصريحات سابقة لوزير الإدارة المحلية توفيق الكريشان.
منذ إقرار الكوتا النسائية في مجلس البلديات شهدت مناصب رئاسة البلدية إقبالاً ضعيفاً من النساء للمنافسة عليه.
أمل السواعير مديرة مدرسة متقاعدة, المترشحة لعضوية البلديات للدورة القادمة، تقول :" الكوتا هي أحد وأهم الأسباب التي شجعتها على الترشح للعضوية"، لتجد فرصة من خلالها للوصول الى عضوية المجلس واصفة ذلك بـ"الفرصة الموازية".
وترى السواعير أن المجتمع المحيط بها "ذكوري" يرفض تقبل وصول النساء لرئاسة البلدية, مشيرتاً أنها من خلال جولاتها في المجتمع المحيط لاحظت أن الناخبين حسموا أمرهم بأن الرئاسة للرجال, وسط ذهول من ردة فعل سيدات المنطقة بعدم تقبلها برئاسة المجلس خلافا لدعمها في العضوية. "في الإنتخابات السابقة لعام 2017 ترشحت 6 سيدات لمنصب رئاسة البلديات, دون أن توفق أي منهن للوصول لكرسي الرئاسة"
المرأة في مواجهة تحديات الترشح المجتمعية والمادية
المختصة في المهارات الحياتية والإدارية وتنمية الذات الدكتورة غدير عناتي ترى أن سبب تراجع المرأة عن التنافس على المناصب القيادية يعود للعوائق المجتمعية في طريقها سواء مفهوم العشائرية أو من تخوفها من امتناع المجتمع المحيط بها عن دعمها .
العناتي تقول أن تمكين المرأة لم يظهر بالشكل الصحيح والوافي لدعمها للتفوق والإبداع والإنخراط بالحياة الحزبية والسياسية أكثر، لافتة أن المجتمع ينقصه الدعم من المنظمات والجهات المختصة لتشجيع النساء للوصول إلى المناصب القيادية، وتغيير النظرة السائدة للمرأة من جسد إلى عقل مبدع وفعال.
معتبرتاً أن توعية المرأة وتمكينها في المجتمع يعزز من شعورها بأهمية دورها في المجتمع وبالتالي ربط التشاركية بينها وبين الرجل وتقبل العقل الذكوري لوصولها للمناصب القيادية دون إشعال فتيل المنافسة السلبية بينهم. الدكتور أحمد العجارمة وهو من مؤسسي مشروع (عين على النساء في الإنتخابات) التابع لمعهد تضامن، يعبر عن أسفه لعدم ترشح أي سيدة لرئاسة البلدية .
يقول :" قانون الإدارة المحلية يشجع النساء على الترشح لمنصب رئيس البلدية في ظل وجود مقاعد إضافية للنساء في المجالس البلدية ومجالس المحافظات".
العجارمة يعزو إحجام النساء عن الترشح للرئاسة إلى خشية النساء من عدم الحصول على فرصة الفوز بمنصب الرئيس بسبب الثقافة المجتمعية، لافتاً إلى الحاجة لتكثيف العمل على توعية المجتمع بأهمية وجود النساء في مراكز صنع القرار على المستوى المحلي.
"تحتاج النساء كي يصلن للمواقع القيادية إلى إزالة جميع العوائق من طريقها, بدءاً من تمكينها إقتصاديا مروراً بحرية اتخاذ القرار ووصولاً إلى تغيير المنظومة المجتمعية ونظرنا للمرأة ومشاركتها ومساندتها في تلك المواقع"هذا ما قالته أنعام العشا مستشارة البرامج والأنشطة في معهد تضامن للنساء.
وترى العشا أن النساء يواجهن مجموعة من التحديات لوصولهن لمناصب قيادية كرئيس بلدية ؛ جزء منها إقتصادي، نظرا للملاءة المالية الضعيفة والتي تفرض حاجتها في فترة الإنتخابات.
تزيد العشا أن من التحديات المجتمعية أيضا التي تواجه النساء عدم ثقتهن بالوصول لتلك المواقع وتركها للذكور وانسحابهن للمواقع الثانوية والذي يعود للخلفية الذهنية بأن المجتمع المحيط بهن لن يؤازرهن باختيارهن في منصب الرئيس وتفضيلهن على الذكور، رغم وجود عدد قليل من النساء اللاتي وصلن إلى مواقع قيادية إلا أن ذلك لا يعتبر مؤشرا للقياس عليه.
وتجد ان الدورات والجلسات التي تعقد لتمكين المرأة لا تغطي جميع المساحات والمناطق بسبب الإمكانيات البسيطة لتلك البرامج مما ينعكس سلبا على مشاركة النساء الضئيلة فيها وعدم تأثيرها عليهن أو الإستفادة منها.
أغلب النساء والناشطات برزن من خلال منظمات المجتمع المدني النسوية والحقوقية والجمعيات، حسبما ترى العشا التي ترى في تلك المعادلة ضرورة لتمكين المرأة , إلا أن القانون يمنع تلك المنظمات من إتمام مهامهن بإعتباره تدخلا بالعمل السياسي, حيث تشهد تلك المنظمات في الوقت الحالي بحسب العشا تضييقا كبيرا على أنشطتها للحد من مشاركة النساء سياسيا.
وعن تمكين المرأة تشدد على أهمية تمكينها عمليا بالإضافة للتعليم والإقتصاد والإبتعاد عن تهميشهن, حيث بلغت نسبة مشاركة المرأة الأردنية اقتصاديا 14% وبحسب الإحصاءات فإن نسبة البطالة الأكبر بين النساء كانت لمن يحملن شهادة البكالوريس.
الحكومة تحمل المجتمع المسؤولية
شهدت الإنتخابات النيابية الأخيرة للمجلس التاسع عشر، عدم وصول أي سيدة إلى القبة بعيدا عن الكوتا بالتنافس مع الرجال.
ومنذ ذلك الوقت نشطت الحملات والورشات الحكومية بعناوينها التي حملت شعارات تمكين المرأة سياسيا واقتصاديا، لكن لك لم يأت بنتيجة ولم ينعكس بصورة إيجابية على النساء. وترى الدكتورة وفاء بني مصطفى وزيرة الدولة للشؤون القانونية وأحد أعضاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية, أن النساء يعانين من مشكلة في الترشح للمواقع الأولى وتلك التي لا يوجد فيها الكوتا أو تقدم أفضلية للنساء، كما هو الواقع مع رئاسة البلديات التي لا تحجز مقاعد محددة للنساء مسبقا في الرئاسة.
ورغم تسجيل الأردن تجارب رائدة في انتخاب رئيسات للبلدية أحدثن فارقا, إلا أن الرئاسة لازالت مرتبطة بقدر كبير بالقوة والسلطة، هكذا وصفت بني مصطفى المشهد التي تجد أنه من غير السهل عشائريا أو حزبيا أو مجتمعيا ترشيح النساء لرئاسة البلديات وتفضيل المرشحين الرجال أكثر على خلاف العضوية في ظل وجود الكوتا التي تحتاج سلطة وقوة أقل.
في الإشارة للحلول ترى أن ما ورد من توصيات اللجنة الملكية المتعلقة بملف الإدارة المحلية واحدى توصياته "وجود نائب لرئيس البلدية امرأة في حال كان الرئيس رجلا، ووجود نائب رجل في حال كان الرئيس امرأة"؛ من الخيارات التي قد تعزز تجربة النساء في حجز واحد من المواقعين الأول والثاني في البلديات،في الوقت الذي يشهد الأردن فيه تواضعا في وجود النساء بمنصب رئاسة البلديات.
ومن الحلول التي أشارت لها بني مصطفى " أن العمل على الثقافة المجتمعية هو أكثر أهمية والذي لا يقتصر على سلطة محددة , فهو برأيها يحتاج إلى الفاعلين على الأرض بالإضافة لمؤسسات المجتمع المدني لتغيير الصورة النمطية المعطاة عن المرأة القيادية.
"البرامج التي وضعتها الحكومة لتمكين النساء كان لها أثر واضح في التشريعات والتي صبت جميعها في صالح المرأة وحملت لها مزيدا من المقاعد في الأحزاب والبرلمان، إلا أن تلك الجهود تحتاج إلى التغيير في الثقافة الانتخابية والإيمان بعمل النساء ومشاركتها بالشأن العام لتحقيق مصلحة المجتمع والوطن" تقول بنت مصطفى.
وتشدد على ضرورة تغيير الصورة النمطية عن المرأة والتصدي للتنمر والعنف الواقع على النساء في الشأن العام، وتمكينهن على أصعدة مختلفة ضمن أطر حزبية وهي خطوة مهمة للمرحلة الإنتخابية المقبلة التي سيتم التنافس عليها بمقاعد حزبية، في خطوة تطوير تدريجية للتشريعات التي تضمن وصول النساء للمواقع الأولى.
يعبر وزير وزير الإعلام السابق سميح المعايطة ، عن أسفه لبقاء المنافسة على منصف رئاسة البلديات بين الرجال, معلقا أن تاريخ البلديات وتقدم الرجال غالبا للترشح للرئاسة والطبيعة المجتمعية أصابت التوقعات.
القوة النسائية والمجتمع لم يشجعا النساء للترشح وخوض المعركة للوصول إلى موقع الرئاسة وهو ما يؤكد أن المجتمع بحاجة للدفع لمكانة المرأة في العملية السياسية والعمل العام. حسبما يرى المعايطة.
وفيما يتعلق بدورات وندوات تمكين المرأة التي نشطت في الآونة الأخيرة , يسلط المعايطة الضوء على أن مجموعة صغيرة من النساء شاركن بتلك الندوات, وأن المجتمع لم يتغير رغم وجود الكوتا وسيدات في المجلسي الوزراء والأعيان، واصفا حركة المجتمع تجاه المرأة وحركة المرأة تجاه نفسها حتى بأنها أقل مما يجب.
"الدفع الذي يتم عبر تطوير التشريعات كما يحدث في المرحلة الحالية وقانوني الأحزاب والإنتخاب اللذان يخضعان للنقاش في مجلس الأمة؛ هو نوع من الانحياز الرسمي باتجاه المرأة لكن المجتمع مازال ليس منحازا لتمكين المرأة بما يكفي.
يحمل المعايطة المجتمع مسؤولية تراجع مشاركة النساء بالمنافسة على رئاسة البلديات، بأنه ليس متفاعلا ولا يؤمن عمليا بدور المرأة رغم جميع التحركات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والأهلية ، لا زال تأثيرها محدودا على المرأة والمجتمع وقتاعات الناس.
يقر المعايطة بوجود تقصير واضح تجاه النساء, ويرى أن عليهم مراجعة جميع الأعمال التي قدمتها الجهات باتجاه تشجيع المرأة وتحفيزها لتكون أكثر فعالية في العمل العام وتحفيز المجتمع على الإيمان بدور المرأة في ظل مشاركة النساء الرجال قناعاتهم السلبية تجاهها, كما يشير إلى وجوب إعادة تقييم ما يسمى بـ"تمكين المرأة" وبرامج المجتمع المدني وبرامج المرأة الممولة دوليا التي ثبت حتى الآن أنها لازالت هي الأخرى محدودة التأثير.