كالدو..
الدكتورة فريال العساف
سأتحدث في مقالي هذا ومن منطلق الخبرة التراكمية التي تولدت على مدار خمس عشرة عاماً من العمل في مجال حقوق الانسان ومن حضور الفعاليات المحلية والإقليمية والدولية التي تناولت العديد من حقوق الانسان بالبحث والنقاش والتقييم ومساءلة الدول عن مدى الوفاء بالتزاماتها التي تعهدت بالوفاء بها عندما تخضع للمراجعة من قبل اللجان الدولية المختصة للآليات الدولية لحقوق الانسان التعاهدية وغير التعاهدية بموجب الاتفاقيات الرئيسية لحقوق الانسان التي أنشأت منذ بداية الخمسينيات من العقد الماضي على مختلف مسارتها السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والامتداد العابر لحقوق الفئات المستضعفة والأكثر حاجة للحماية التي حددها القانون الدوليّ الإنسانيّ الانسان. السؤال الذي يتبادر الى ذهني في ظل المتغيرات المتسارعة بمجالات الحياة لاسيما المجال الرقمي والتغيرات المناخية والنزاعات الدولية والكوارث الإنسانية والطبيعية الاخذة بالتسارع هل فشلت الجهود الدولية الإنسانية التي ابرمت الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان عن تحقيق الهدف والغاية المنشودة من ابرامها في حماية الإنسانية جمعاء والتي كانت مترسخة في صميم عملية بناء عالم أكثر سلما و عدلاً ؟ هل لا تزال اللجان و المؤسسات والمعاهدات والقوانين الدولية مناسبة وفي محلها الصحيح ؟ ام انها تحتاج الى مراجعة ؟ هل الوضع مختلف اليوم ؟ هل أمست المواثيق المعنية بحقوق الانسان أقل أهمية بالنسبة الى المجتمعات والافراد التي مسها الضرر وتلك التي تنتظر دورها من المخاوف الكارثية ؟ هذه التساؤلات أتت ونحن نواجه اليوم ومن جديد تحديات هائلة تغذيّ بعضها البعض وما قد يولّد نتائج كارثية للبشرية جمعاء . النزاعات الإنسانية آخذة بالتصاعد دون تدخل من المجتمع الدولي فويلات الحروب طالت حياة ملايين من المدنيين من مختلف بقاع العالم خطابات العنصرية والعنصرية والتمييز هي الاخرى آخذة في التصاعد ودق آسفين الهدم والدمار ضد الفئات سيما ما شهدته التصرفات الأخيرة من محارية ممنهجة للإسلام والمسلمين كما تحولت المنصات الرقمية الى أنظمة مخصصة لتوجيه خطاب الكراهية . ومن الممكن ان تهدد التطورات الرقمية المتسارعة غير القابلة للضبط بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والأسلحة الذاتية التشغيل ان تطال حقوق المجتمعات والافراد على حد السواء دون محاسبة المتسببين عن الحاق الضرر لحقوق البشرية. منذ عام 2015 اجتمعت القمم العالمية المختصة بالتنمية وحقوق الانسان وتم اعتماد سبعة عشر هدفاً و تم ايضاً رفع شعار " عدم ترك أحد في الخلف " هذا الشعار جاء ليجسد وينظم الأدوار بين المجتمعات الإنسانية للحاق بركب التنمية والتقديم والقضاء على الجوع والفقر والتخلف الاقتصادية والاجتماعي .لكن ما نشهده اليوم صورة من الدمار السافرة وهي ليست كوارث طبيعية بل التي أتت من صنع الانسان لتدمير الانسان . باختصار شديد ، انّ ما اردت قوله اننا اليوم بحاجة ماسة الي إعادة النظر في مدى نجاعة وسائل المساءلة الدولية وعن دورها في وقف الدمار المتعمد ضد الإنسانية اننا بحاجة اكثر الى صياغة مبادئ توجيهية تشترك بها المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان من مختلف بقاع العالم وتقديمها امام مجلس حقوق الانسان ويجب ان تتجذر نصوص تلك المبادئ بأنشاء الضمانات القانونية التي تحمي وتعزز الكرامة البشرية وحقوق الانسان ومبادئ العدالة والمساواة وعدم التمييز ومناهضة التطرف والكراهية وخطابات العنصرية . فحقوق الانسان ومبادئها وقيمها هي حجر الأساس التي يمكن الارتكاز عليها لربط عمل مجالات اللجان التعاهدية وغير تعاهدية والمساهمة في تحديد اهداف سليمة تعيد الاستقرار السياسي والاقتصادية والاجتماعي وتحقق الرفاه والانصاف بما يضمن حقا اعمال شعار عدم ترك احد في الخلف .