كالدو..
محمد البراري العجارمة رئيس جمعية تمكين للحوار الريادي الديمقراطي
تسعى جمعية تمكين للحوار الريادي الديمقراطي الى تعزيز قيم الحوار البناء وإرساء مبادئه منطلقين من الأوراق النقاشية التي صاغها قائد البلاد الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، وأرسى من خلالها رؤية واضحة للاصلاح الشامل ووضح فيها مستقبل الديمقراطية في الأردن وهي تدعو أيضا الى الانخراط في حوار حول ما يشغل الرأي العام من قضايا ضمن محاور مدروسة يلتقي فيها المسؤول كل حسب اختصاصه مع الشعب ، بحيث تجيب عن ما يدور في الفضاء الأردني من أسئلة ، واستفسارات تقرب فيها من وجهات النظر ورأب الصدع الكبير الآخذ بالاتساع ما بين الحكومة والشعب.
إن الاختلاف في الآراء ووجهات النظر ، صبغة إنسانية بحتة فبالاختلاف يتحلى الإنسان ويتميز عن غيره من المخلوقات، فالاختلاف في الرأي يعد أمراً صحياً ما دام يحتكم في نهاية المطاف الى طاولة الحوار، على أن يكون الاختلاف في الآراء هدفه تحقيق الصالح العام، حيث ان رؤية حدث ما من زاوية معينة لا يعطي الحدث الوجه الحقيقي الكامل الذي يلغي الآراء الأخرى ويمنحها صفة الخطأ ما لم تخضع لحوار حقيقي هادف يسعى من خلاله إلى إعطاء الحدث وجهه المتكامل.
لذلك يدعونا واجبنا الوطني أن نضع كل ما نختلف حوله من الآراء على طاولة الحوار حول أي قضية تطرح على الساحة الاردنية، دون تصلب في وجهات النظر. لأن التصلب في المواقف وفي وجهات النظر ومسألة احتكار جهة ما الحقيقة الكاملة المطلقة، وعدم قبول الرأي والرأي الآخر مسألة يمكن ان تشكل عائقاً في طريقنا نحو تحقيق التوافق بين مكونات الدولة الاردنية جميعها من شعب وحكومة ومؤسسات، لذلك حاجتنا ملحّة لتعزيز قيم الحوار الهادف البناء بما يحقق مصلحة الوطن والحفاظ على تاريخه ،وقيمه، وعاداته وتقاليده وثقافته، وهو هدف يصب في صلب اهتمام جمعية تمكين للحوار الريادي الديمقراطي الذي تعمل عليه، وتعمل على مأسسته.
إن تحقيق المزج بين جميع مكونات الوجه السياسي الاردني بطريقة تعيد له نظارته ولمعانه يحتاج الى حكمة، يتم توظيفها للخروج بتصورات يمكن التوافق عليها وصولاً الى حلول لكل ما يطرأ على الساحة الأردنية من قضايا ،وهذه الحلول لا تأتي إلا من خلال حوار تقدم فيه الأطراف جميعها مصالح الوطن على المصالح الشخصية، والتركيز على كل ما يدعم التوافق ويزيد مساحته، وتحديد محاور الاختلاف، والبحث معمقاً لإيجاد تصور مشترك يتوافق عليه الأغلبية ان لم يكن الجميع.
إن الحكومات بوزرائها وما تمثله من سلطة تنفيذية ،والنواب وما يمثلونه من سلطة تشريعية، والقضاة بما يمثلونه من سلطة قضائية ،ومؤسسات المجتمع المدني والإعلاميين والمواطنين كلنا في نهاية المطاف أبناء لهذا البلد وإن العمل المشترك فيما بين هذه الأطراف لزيادة مساحات التوافق واجبنا جميعاً ،مع ضرورة الوعي بكل ما يحيط بنا من أحداث إقليمية وعالمية ، فالطريق نحو تحقيق هذا التوافق لن يكون معبداً بالورد بل ستواجه من كان يستثمر في خلق مسافة تبدد العلاقة ما بين الشعب والحكومات بشكل سلبي ، ويتناولها في حواراته العامة ولقاءاته وكتاباته وأيضاً يخضع الرأي العام فيها الى تفسيرات يمكن ان يتم تصحيحها اذا تم اللقاء ما بين المسؤول والمواطن ،ويجيب عن كل استفساراته في جو يسوده الحوار المتزن الهادئ، الذي يمكن ان تكون نتيجته أكثر ايجابية ، ويخدم الهدف العام والمصلحة العامة بشكل أفضل إذ يقترب فيه المسؤول من نبض الشارع ،ويستمع اليه، وتدارك ما يمكن ان يطرح من اختلالات يتم مناقشتها بما فيه الخير والصلاح لوطننا وبلدنا العزيز، فهذه الفجوات سوف نتجاوزها اذا كان هناك دعم لمساعينا في زيادة صلابة الجبهة الداخلية وتمتين العلاقة بالقدر الذي يعيد للقلب الأردني دفء نبضاته وتوازنه.
علينا دائماً ان نستذكر ونحن نتحدث عن الشأن العام التاريخ الأردني الطويل المشرف الذي يجمعنا جميعاً وأن نقف أمامه كل عام، في كل مناسبة وطنية، وأن نمد أيدينا لنصافحه، وأن نستذكر هذه الإنجازات الوطنية التي ترفع لها القبعة ،ويحسب لنا جميعاً ،ونستذكر مآثر أجدادنا الذين ذادوا عن الحمى ،وقدموا أغلى ما يمكن أن يقدمه المرء وهو روحه فداء للوطن وكان لهم شرف الشهادة، فمن لم يمت من أقرانهم بالسيف مات بغيره ، وأن من مات بالسيف يبقى ذكره مع من بقي ليروي لنا أزيز الرصاص الذي كان موسيقاهم المفضلة وسلاحهم الذي كان ربابتهم التي ما زلنا نسمع صوتها الشجي كلما مرت ذكرى وطنية.
لم تكن ذكرى الثورة العربية، والاستقلال، وتعريب الجيش التي مرت ذكراها قبل وقت قريب أحداثاً عابرة في تاريخ الدولة الأردنية، بل جاءت نتيجة جهود بذلت، وتضحيات قدمت فداءً لهذا الوطن الكبير بشعبه وقيادته الحكيمة التي استطاعت وفي ظروف استثنائية ان تحقق إنجازاتً كهذه لم تكن لتحدث لولا بطولة اهلها وجهود دبلوماسية وسياسية ونضالية مضنية تركزت للخروج بدولة آمنة ذات مؤسسات في محيط غير مستقر وملتهب.
نستذكر كل عام هذه المناسبات الوطنية لنستعيد في الأذهان الإرث الذي سطره الأوائل من أبناء هذا الوطن من تضحيات، وأن نستلهم منها الأكسجين الذين يبقينا أمام كل التحديات التي تواجه المنطقة بشكل عام والتي تم التعامل معها بحكمة سياسية وترو استطاعت ان تحط بالسفينة الأردنية الى مرسى الحاضر الذي هو بالضرورة نتاج مسيرة طويلة من البناء شارك فيه كل من ينتمي الى الوطن في فكره وتوجهاته وعمله وجهوده كل ذلك لم يكن ليكون لولا وعي الأردنيين بضرورة حماية هذه الإنجازات وإيمانهم بأن الحوار هو السبيل الوحيد الذي دائماً يلجؤون اليه في حال وقوع حدث أو أية قضية تشغل الرأي العام.
كل هذه المناسبات الوطنية تبقينا نتفيأ ظلال هذه الشجرة التي تستمد قوتها وبقاءها من إيمان شعبها الكبير بضرورة الحفاظ على كل المنجزات الوطنية وان نحذوا طريق الحوار الهادئ المتزن المعقول ، حول ما يحدث ، بما يخدم المصلحة العامة. وإن دعوتنا لتعزيز نقاط الالتقاء هو من وعينا بالتضحيات التي قدمت لبناء هذه الدولة، ومن التحديات التي تواجهنا في وسط اقليم ملتهب وغير مستقر. ولنكمل المسيرة ونحن على يقين بأن القادم سيكون أفضل حالاً اذا تسيد الحوار الجو العام. وأن المساعي التي يمكن لها أن تعود على الوطن ومستقبله بالخير ستبقى عقيدة نؤمن بها وطريق لا تثنينا الصعوبات مهما كانت لتحقيقها.