كالدو..
الاعلامية شادن العوران
قصتي طويلة جدا، فهي تتخطى سنوات، وأيّام، وساعات، ودقائق ، وثوانٍ، فقبل سنوات أصبت بمرض "السرطان" في الكلية اليسرى كاملة .
كنت أسعل فقط ولم أعرف أنه مؤشر من مؤشرات السرطان ، وكان وزني أيضا ينقص باستمرار ولم أعرف السبب .
لن ابدأ الحكاية بالتعريف بي أو بالحديث عن طفولتي ، لن انسج أحداثا تدور في أزمنة وأمكنة ،ولن اعقد عقدة ما تلبث أن تنفك في نهاية الحكاية ،فحكايتي بلا نهاية، ونوعاً مختلف عن قصص المجتمع ،نعم إنها حكاية شادن .
طالما آمنت بأن لكل منا قدرا سيلاقيه ،ولطالما آمنت بأن الحياة ليست بتلك اليسُر ، ولكني آمنت بأن الرضا والصبر فضيلتين اجرهما عظيم ، و أن المرض والكسر والبلل لا شيء أمام الموت ، فأسميتها برغم كل ما فيها قساوة حكاية شادن .
وبدأ الألـم ،هـكـذا أقـول ،تخيل ان يؤلمك ما يفترض به أن يكون متعة، يؤلمك طعامك ،تخيل ؛ لقد بدأ الطعام يشعرني بألم في المعدة ورغبة في الاستفراغ وإمساك مع اكتئاب وعزلة وإرهاق وعدم القدرة على البلع والمشي أحيانا ، وتفحم الاسنان وتساقـطهم وعـدم نمو الشعـر والاظافر؛ وبـدأت رحـلة البحث عـن السبب .
طبيب بعـد طبيب وتنظير بعد تنظير منهم من قـال التهاب ربـو أو التهابات بالكلية أوبسبب مضاعفات الجيوب وانحراف الوتيرة ، ومنهم من لم يتوصل إلى شيء وباستمرار الألم والضيق ،استمر البحث إلى أن طلب أحد الأطباء خزعة من الأمعاء الدقيقة .
وأخيرا عُـرف السبب ؛ سوء امتصاص الأمعاء لبروتين الجلوتين الموجود في القمح والشعير والشوفان، وهو رد فعل مناعي تجاه هذا البروتين يسبب (( انتفاخات البطن والغثيان والقيء والإمساك والإسهال والطفح الجلدي وحكة وتهيج في الجلد وألم في الصدر والحلق مع صعوبة البلع ،وضيق في التنفس )) ، وسرعة في دقات القلب في الحالات المتقدمة ،واحتقان في الأنف أحيانا .
جميعها أعراض حالة مرضية مزمنة تصيب الأمعاء الدقيقة وهي عبارة عن حساسية دائمة ضد بروتين الجلوتين تسمى حساسية القمح أو داء السيلياك ،ويختلف حدة الأعراض من مريض إلى آخر، وكنتيجة لحالة عدم الامتصاص الغذائي للمصاب فإنه يعاني من نقص في احتياجات جسمه من العناصر الغذائية كالحديد وفيتامين د و كالسيوم ...الخ .
مما يحدث نزول الوزن باستمرار وانتفاخ البطن نتيجة لسوء الهضم الذي يتعرض له المريض وقد يصاب بهشاشة في العظم أحيانا .
وبالرغم من أن هذا المرض معروف الآن كمرض يصيب الأطفال بنسبة أكبر الا أن حالات إصابة الشباب وكبار السن قد بدأت بالازدياد.
والسبب يعود الى وزارات الحكومات التي لم تهتم بهذا بالمرض ولا من قبل والإعلام ، وقد تم تشخيص اصابتي بهذا الداء متأخر بعمر 32 سنة ، وبالرغم من ان المرض قد اكتشف منذ عشرات السنين الا أنني وأسرتي كحال الكثيرين لم يعرفوا هذا المرض يوما ولم يسمعوا عنه .
وبدأت المعاناة الحقيقية في رحلة الحمية الغذائية الصعبة ، فمنعت من الخبز وغيره الكثير من الأطعمة التي تحتوي على القمح أو الشعير أو الشوفان، وكانت الصعوبة تكمن في الحصول على البدائل؛ فعدم وجود الخبز المصنوع من طحين الأرز أو الذرة أو حتى طحين الأرز أو الذرة الذي يصنع منه هذا الخبز أو بعض المعجنات . خاصة لفتاة تسكن بعيدا عن العاصمة.
مما اضطرت والدتي لإحضاره بصورة مستمرة من عمان العاصمة مما كان يسبب المشقة لبعد محافظتي عن عمان ،ناهيك عن الأسعار المرتفعة نسبيا لهذه البدائل ، ولن أنسى فضل أختي أخصائية التغذية م.سوزان العوران بطلب مني فحوصات حساسية السيلياك لاكتشاف مرضي .
وكانت آلام، تكمن مشاكل باكتساب الوزن وعدم امتصاص المعادن والام العظام بالقدم ...الخ ، ومعاناة الالتزام بالحمية والأدوية والمكملات الغذائية كانت قصة أخرى؛ فالضعف وعدم الالتزام بالحمية أحيانا، ما كان يزيدني الما ً.
سبق و قلت بان الحكاية بلا نهاية ؛
وكيف يكون لها نهاية والمريض بهذا الداء لا يملك الا الحمية والمكملات الغذائية صاحبان مقربان كثيرا ثقيلان، مضطر أن يصاحبهما وإلا فإن بروتين الجلوتين لن يرحم المصاب وقد يتطور الأمر إلى ما هو أكثر خطورة إلى ما يسمى سرطان بالجهاز الهضمي لا قدر الله .
هذه هي الحكاية باختصار و بكل ما فيها من رضا وصبر عاشتها شادن صراع مع أمل و تفاؤل بأن تحمل الغد القريب في طياته علاجا نهائيا لهذا المرض يخلص المصابين من اعباءه والآمه وفرجا كبير من رب رحيم .
إنّني فتاة قوية ، رائعة وجميلة، أنثر الورد، وأزرع الأمل، وأداوي الجراح، و همّي في الحياة منصبا على طاعة الله ولك الحمد ، ولم أتقاعس أبدا ولم استسلم ولدي الثقة بان القادم أجمل ، أحب خدمة أهلي ومجتمعي ، والحمد لله استأصلت الكلية اليسرى بأكملها بسبب كابوس السرطان ، ومستمرة بمراجعة أطبائي .
نصيحة مني لا تستهينوا بالمرض ولا تتكابرون ، عليكم اتباع الحمية المقيدة و تناول المكملات الغذائية وممارسة التمارين الرياضة مع استمرارية عمل فحوصات طبية وزيارة الدورية للأطباء المختصين وخاصة زيارة عيادة التغذية لمعرفة ما يناسب جسمك من الأطعمة .
وأتمنى على حكومتنا وخاصة وزارة الصحة أن تأخذ بعين الاعتبار أن يكون هنالك فحص للمواليد الجدد لأجراء فحص حساسية السيلياك على غرار المطاعيم التي يجرونها كالحصبة ....الخ ، حتى لا يكتشف المرض متأخرا ويصل الى خطورة السرطان .