كالدو..
الدكتور هشام المكانين العجارمة
أستاذ التربية الخاصة المشارك في الجامعة الهاشمية
جميلة هي الحياة عندما نعيشها بالحب، وسِرُّ جمالها ليس بأحداثها السّارة وحسب وإنما بما تتركه تلك الأحداث في نفوسنا من مشاعر تختلج فيها أحاسيسنا فقط لأننا أردنا أن نعيشها بالحب.
لا شك بأن الحياة لا تخلو من بعض المنغصات والتي قد يشعر الفرد حيالها بضيق العيش فيفقد لذة الحياة فهل ذلك ما نريده لحاضر حياتنا ومستقبلها؟.
لا شك بأن الاستسلام لضغوطات الحياة ليس بالحل إذا أردنا أن نعيش حياتنا بالحب، إذ يمكن لنا الاستعاضة عن ذلك بكثير من الممارسات التي تجعلنا أكثر تفاؤلاً وسعادة، فالحقيقية التي ينبغي إدراكها هي أن اختياراتنا وأفكارنا وأفعالنا تؤثر في مستوى سعادتنا، فالسعادة قرار، والهناء قرار، والحب قرار. فكيف لنا أن نعيش ذلك؟
لا شك بأن الأمر ليس بتلك الصعوبة التي يتخيلها البعض ممن غلفوا حياتهم بالتشاؤم، بل أنه يرتبط ارتباطاً كبيراً ببعض الممارسات من أهمها:
اتخاذ القرار
لا شكل أن قيمة حياتنا تتحدد في ضوء قراراتنا، فليس أجمل من أن نقرر أن نعيش حياتنا بالحب، وأن نعيش تفاصيلها بالسعادة مهما صَعُبت الظروف أو كثُرت التحديات، فاتخاذ القرار يعكس إرادة، والإرادة تتطلب سعي موصول لتحقيق الهدف المنشود وليس الهدف النبيل بعسير على أهله.
التصالح مع الذات والتسامح مع الاخرين
يشكل التصالح مع الذات قاعدة الأساس للإنطلاق في حياتنا كما نود ونأمل؛ إذ ليس من الجيد أن نجلد ذواتنا في كل كبيرة وصغيرة ونحمل أنفسنا ما لا طاقة لها به، كما أن التصالح مع الذات يقودنا للتصالح مع الآخرين بالحب ولا شيء غير الحب، فبحسب نتائج الدراسات العلمية ذات العلاقة فإن العلاقات الجيدة بالآخرين تمنحنا شعور أقوى بقيمة حياتنا التي نعيش.
رفقة السعداء والسعي للهناء
من منّا لا يجد سعادته في رفقة الآخرين؟ ويشعر بالوحدة والحزن في غيابهم؟ بل قد يصل الأمر إلى حد الضياع ، والحقيقة هنا هي أن السعادة ألوان، ومن ألوانها مرافقة السعداء الذين يحسّن القرب منهم والتفاعل معهم حالتنا المزاجية فنُسعَد بذلك ونُسعِد من حولنا، ولا تخلو حياتنا حتماً من السعداء، إذ أن بعض الأصدقاء مثلاً قد يكونون لنا مصدر سعادة فلا نبخل على أنفسنا بالقرب منهم والتفاعل معهم، ولنحسن التصرف معهم كما لو كان لدينا مخزون من العواطف لا ينفد، لنحبهم ولنملأ تفاعلاتنا معهم بالكلمات الطيبة والأفعال الصالحة، وإذا كان لا بد من توجيه نقد في لحظة ما فليكن لطيفًا في الوقت نفسه؛ لندعهم يدركون أننا نقدر ما يفعلونه من أجلنا، وأننا سعداء كونهم جزءًا من حياتنا، ولنسعى للهناء في أوقاتنا وعلاقاتنا.
التعبير عن الامتنان
إن التعبير عن الامتنان خطوة هامة في هذا السياق، فالامتنان أكبر من مجرد الشكر، بل أنه إحساس يجمع بين الإعجاب والتقدير، والشعور بالشكر للحياة كلها. وهنا لا بد من الانتباه إلى أنه من السهل أن تمضي حياتنا دون أن ندرك كم كنا محظوظين فيها، فالناس غالباً لا يدركون الأشياء الجيدة في حياتهم ولا يقدرونها إلا بعد رحيلها أو الإصابة بمرض ما أو التعرض لحدث ما يقلب حياتهم رأسا على عقب فلما ننتظر تلك الأحداث أن تحدث! بل لنعوّد أنفسنا على التعبير عن الامتنان. فتحديد شيء واحد كل يوم على الأقل والامتنان له يمنح حياتنا ثراءها، وفي حال أن وجدنا أنفسنا نفكر في امور تشعرنا بالنكران فعلينا أن نستبدلها بأمور تشعرنا بالامتنان.
تقبل الأحزان وتجازو المحن
لا يمكن فصل الحزن عن الحياة، فمحاولة التخلّص منه نهائيًا أشبه بالشهيق دون زفير، وكلّما حاولت مقاومته أكثر ازدادت شدّته وحدّته. المهرب الوحيد من الحزن هو بتقبّله واحتضانه، إذ أننا نعيش في عالم مليء بالعواطف ولا مفرّ من التعرّض للمواقف السيئة المُحزنة، والمناسب هنا أن نحول أحزاننا إلى طاقة كأن نتوقف قليلاً في كلّ مرّة نواجه فيه موقفًا عصيبًا يُحزننا لنفكر في مشاعرنا، ثمّ لنتقبّلها كما هي، ولعبر عن حزننا بالطريقة التي تناسبنا، يمكننا أن نبكي أو نغضب لكن الأجمل أن نحول أحزاننا إلى قوة دافعة للأمام، إلى شيء جميل يراه الآخرون. فمن قلب الألم ينبُع الإبداع. وفي كلّ مرّة نخفق فيها علينا أن نسعى للتفكير في حلول وسبل لإصلاح ما أفسدناه بدلاً من التركيز على النتيجة التي حصلنا عليها وندب حظّنا الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة أو تلك؛ إذ ليس فينا من لم يواجه محنة أو موقفاً جعله يذرف العبرات كما الفرات، والحكمة تقتضي بأن نحمد الله في السراء والضراء بل أن حمده في السراء لعله أوجب لأن الكثير منا يغفل عن ذلك إلا من شمله الله بكرمه وفضله، كما أن المحن والأوقات السيئة بنظرنا تجعلنا ندرك حقيقة النعم التي نعيشها، فلنتجاوز الأوقات العصبية بأحداثها ولنتذكر بأن كل شيء لقدر وبقدر، ولا فائدة من الوقوف على الأطلال إذ لم يكن الوقوف لقادم ينبغي أن يكون أجمل إن أردنا.
زراعة التفاؤل نبذ السلبية
ممارسة أخرى لا بد منها لنعيش حياتنا بالحب تتمثل بزراعة التفاؤل ونبذ السلبية، كأن نجعل رؤية الجانب الإيجابي للأشياء عادةً لنا ونعمل على تطويرها، وهنا علينا ألا نفرط في التفاؤل، ففي النهاية لا يمكن أن تخلو الحياة مما يكدر صفوها. وليس من الحكمة محاولة إظهار العكس، كما لا ينبغي أن يطغى الجانب السلبي على نظرتنا العامة إلى الحياة، فمزايانا تفوق دائمًا عيوبنا، وإذا لم نكن متفائلين بطبيعتنا، فقد يستغرق الأمر وقتًا حتى نغير تفكيرنا التشاؤمي، وفي هذا السياق من الجيد أن نطرح على أنفسنا بعض التساؤلات منها: هل المواقف التي تزعجنا هي فعلاً بالسوء الذي نتخيله؟ هل يمكن النظر إلى هذا الموقف أو ذاك من زاوية أخرى؟ ما الذي يمكننا تعلمه من هذه التجربة أو تلك لنستفيد مستقبلاً؟ ماذا لو بقينا متشائمين وسلبيين؟
والحقيقة هنا أن الأشخاص المتفائلين في المجتمع يدركون أنّ السلبية ستُعيقهم عن المُضي قدمًا في حياتهم، وتحول دون نموّهم وتطوّرهم. لذا يجب أن يكون التخلّص من الأفكار والمشاعر السلبية على رأس أولوياتنا كلّ يوم إن أردنا أن نكون من الهانئين. لنتأمّل محيطنا والأشخاص من حولنا، وإن وجدنا أيّ شيء أو شخص يُشعرنا بالإحباط أو بأي شيء سلبي ينلغي أن لا نتردّد أبدًا في إقصائه عن حياتنا، فلا تنازل ولا تهاون ينبغي أن يكون عندما يتعلّق الأمر بالأفكار السلبية، فهي مصدر كلّ معاناتنا ومشاكلنا.
تحديد الأهداف
فوجود هدف ينشده المرء يمنحه شعورًا بوجود غاية لحياته ويزيد تقديره لذاته، لذا لنجعل أنشطتنا اليومية تصب في تحقيق مغزى حياتنا والهدف منها. ولعل من الجيد هنا أن نطرح على أنفسنا بعض التساؤلات المتعلقة بأنشطتنا اليومية من مثل: هل ننشغل بأمر تحبه؟ هل ندرك غرض حياتنا؟ ما الذي يثير حماسنا وطاقاتنا؟ ما طبيعة الانجازات التي حققناها ونفخر بها؟ ما الصورة التي نود أن نكون عليها في عيون الآخرين؟ ما قيمة حياتنا من دون هدف نسعى إليه.
تمكين الروح
إذ كيف لنا أن نخطو في حياتنا للأمام ونحن لا نعي قيمة وجودنا وغايته، فالإيمان بالله وتمكين النفس والروح من منجيات الهلاك يجعلنا أقوى وقادرين على العطاء والعيش بحب وسلام.
الاستمتاع باللحظة
إذ ليس من الحكمة أن نؤجل البهجة منتظرين أن تصبح حياتنا أقل انشغالاً أو إرهاقًا يوماً ما، فقد لا يأتي هذا اليوم، وبدلاً من ذلك لنبحث عن فرص لنتمتع بأوقاتنا مستثمرين إيجابيات اللحظة الراهنة، بدلاً من الانغماس في ذكريات الماضي أو القلق بشأن المستقبل.
نهاية: لعل من الجيد أن نتذكر بأن الحياة ماضية بنا وبغيرنا، فلا نهدر أيامنا ولحظات عيشنا بما يكدر صفو حياتنا؛ فلا يزال على هذه الأرض ما يستحق الحياة، ولنحيا حياتنا بالحب ولا شيء غير الحب، فالحب كلمة بحرفين إلّا أنها حياة للبشر ورسالة للسلام إن أردنا أن تكون كذلك، والحب عطاء وإذا كان لا بد من عطاء فلنبدأ بالعطاء بانفسنا؛ فالقلوب المليئة بالحب هي الوحيدة القادرة على منحه.