كالدو..
إلين غازي غِنمة
تنجبون أولادكم ، تحملون هم حياتهم على عاتقكم ، هم مستقبلهم ، وهم توفير حياة كريمة لهم ، تتمنون رؤيتهم مستقبلا في أفضل الأماكن والحالات .... تحفزونهم وتساعدوهم على بناء أحلامهم وطموحاتهم ... تربون أجيال يمكنها صنع المجد إذا توافرت الفرص ، ينضجون أمام أعينكم سنة بعد سنة ليأتي اليوم الذي تنتهي به مسيرتهم الجامعية .
هنا تبدأ مسيرتهم التالية بالبحث عن الفرص والآماني التي لطالما تمنوها سابقًا .... الكثير من الأحلام والخيال المقابلة للحقيقة على أرض الواقع .... تلك الأماني أصبحت فارغة .... وتلك الفرص والأحلام لم يجدوا منها شيء .
بحثوا عن أي عمل كان ولكن أيضًا دون جدوى ، ليبدؤوا هنا بحالةٍ من اللاوعي ، وحالة من عدم الاستقرار الذهني ، سنوات عمرهم تتقدم أمام أعينهم كأنها هباءً منثورًا ..... ما مر بهم من سوء ومشقة خلال سنوات دراستهم ذهب بلا جدوى ، والشغف والأمل يتقلص منهم درجة تلو الأخرى إلى أن ينتهي تمامًا ، هنا يتلاشى الفرد المحب للحياة منهم ، يصبحون أفرادًا فاقدين للشغف والرؤية ، تتلاشى أحلامهم وأمنياتهم وتصبح أقصى أحلامهم أن ينتهي يومهم دون شروق شمس يوم أخر بعد أن كانت أحلامهم شروقها كل يوم لتجدد أهدافهم .
بحالة من اللاوعي الدائم وبحالة من اضطراب الفكر الدائم أيضًا ، سيمسوا بحالة صعبة جدًا تدفعهم فقط للتفكير بأي وسيلة تنجيهم مما هم عليه ، لتبدأ العلل النفسية تتسرب اليهم وقد يجدوا التدمير الذاتي للنفس هو أفضل وسيلة وخيار يلجأون إليها .
هنا المسبب الأول والاخير لما هم عليه هو سوء الأحوال الإقتصادية وتدني توافر فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة بحد يفوق الخيال ، فبناءًا على أخر إحصائيات أجريت لنسب الوفيات عام 2020 وصلت حالات الانتحار التام الى 169 حالة بنسبة ارتفاع بلغت 45.7% !
ألسنا أحق بهؤلاء البشر ؟!
لما لا نشارك في بنائهم ليبنوا بلدنا بدا أن نهدم أحلامهم حتى آخر رمق؟؟
إننا بحاجة إليهم ، بحاجة لأحلامهم وطموحاتهم ، أحلامهم التي كانت تود بناء بلادهم ... ، والآن بدلا من أن نتقدم بالفكر ونعالج مشكلة الإنتحار المبنية على مسببات حقيقة وليست بهدف الإبتزاز، فرضنا قانون يعاقب كل من يتجه للإنتحار ، بدلا من تقديم له الفرص ليحيى حياة كريمة بعيدة كل البعد عن الآلام والضغوطات النفسية التي جعلته يتجه لهذا الاتجاه ، أصحبنا نفرض العقوبات بدلا من تقديم العون وتقديم أقل الحقوق للأفراد من فرص العمل !
وللأسف أننا أصبحنا لا نتقدم بالفكر، ولا نسعى لإيجاد حلول للعوائق، وللأسف أيضًا أننا لا زلنا غافلين تمامًا عما يعاني منه فاقد الشغف نتيجة تدني أحواله المعيشية والإقتصادية، وعن كيفية التعامل معه .
إلى متى سنظل نفقد شبابنا من هذه الأسباب؟!
ومتى سيتم التفكير بأمور تيسر الحياة على الفرد ولا تخلق منه فردًا كارهًا للحياة أكثر عرضة للإصابة بكافة الأمراض النفسية بدلا من التفكير بكيفية فرض عقوبات على أي أمرٍ كان !
متى سيكون المسؤولين على قدر مسؤولياتهم أمام توجيهات جلالة ملك البلاد عبدالله الثاني الذي كان وما زال يوجههم للنظر في تحسين الاحوال المعيشية وخلق فرص العمل وبناء الأنسان .