كالدو..
الاعلامية نزهة الإدريسي/ المملكة المغربية
الهوية هي حلبة الصراع بيننا وبين العدو..
" الدكتور عبد الوهاب لمسيري "
يعتبر الماهاتما غاندي ( 2 أكتوبر 1869/ 30 يناير1948 ) مؤسس ما عرف تاريخيا وسياسيا " ثورة اللاعنف " أو العصيان المدني الشامل . الوسيلة التي اشهرها بوجه الاحتلال الإنجليزي للهند ، وقاد بها بلاده للتحرر، وأصبحت بعده ثورة ملهمة للكثير من حركات التحرر . بل واتخذ من يوم ميلاد غاندي الذي يوافق الثاني من اكتوبر من كل سنة عيدا وطنيا في الهند تخليدا لذكراه وذكرى ثورته السلمية، كما اعتمد عالميا كيوم دولي للاعنف.
لم تكن رحلة غاندي هينة في ترسبخ ثقافة ومفهوم ثورته التي جعل شعارها " المغزل " الذي هو أداة بدائية لغزل الصوف و صنع قطع الثوب ككساء للجسد ،في ظل الثورة الصناعية التي تغرق الأسواق باجمل و أجود الانسجة بدقائق معدودات . بل لاقا انتقادات و اعتراضات كثيرة حتى من أقرب الناس اليه مثل صديفه الشاعر والفيلسوف طاغور .
لذي كتب متهكماً: "اغزلوا وانسجوا! هل هذه بشارة عهد إبداعي جديد؟ إن محاولة الخروج من التيار التصنيعي الشامل للعالم والاعتقاد أن شعباً يمكن أن يصبح عظيماً بالتراجع إلى أوضاع بدائية لا علاقة لها بالحياة الحديثة يعد رؤية ضيقة الأفق . والهند لا بد لها من التحرك مع العصر، لا بد من التفكير لا بلغة شعبها المقهور وحده، وإنما بلغة كل أمة مقهورة، ومحاولة إبعاد الهند عن الغرب هي انتحار روحي "
كلمات طاغور كانت تعكس قناعة شريحة واسعة من النخبة المعارضة للمنهج الذي اتخذه كوسيلة لدحر المحتل الانجليزي . الا أن غاندي ظل متشبثا بمنهجه و ثورة اللاعنف، كما انه اشتغل بها وعليها داخل الأرض المناسبة التي ستمكنها من طرح ثمارها وهي أرض الطبقة الكادحة. والتي فهمت على الفور عمق فلسفته الثورية. وهي التشبث بالأصل ،التراث والهوية وتفعيلها في مقاومة المحتل .حتى وان كانت من الادوات البدائية كالمغزل ومقاطعة المنتوج الأجنبي لشل حركته الاقتصادية الشريان الأساسي الذي يمده بالحياة على أرض الهند . خاصة وان النسيج كانت اهم صناعة تعتمد عليها انجلترا في اقتصاد مستعمراتها.
لقد قاد غاندي ثورته التحررية بمغزل، واجه به ماكينات المحتل الضخمة المتطورة. اما المغزل فلم يكن الا إشارة ودلالة على التراث و ابسط الامكانيات التي يمكن ان تتوفر لاي شخص او شعب لمواجهة مصاعب الحياة و مصائبها كما الاحتلال. .
جاء في القران الكريم: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍۢ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ " الانفال الآية 60 في الآية الكريمة نحن مأمورين بالاستعداد الدائم بكل ما نستطيعه لمواجهة اي طارئ. هذا الطارئ الذي يمكن ان يكون عدوا محتلا او غازيا متربصا بنا . او يكون اي ازمة اقتصادية او اجتماعية أو سياسية. وهنا الاستعداد يكون بالقوة .والقوة ليست بالسلاح فقط بل يمكن ان تكون بوسائل أخرى مثل التي تتبعها غاندي. باستثمار التراث والحرف التقليدية مثل المغزل و النسبج اليدوي. الذي اغنى طبقات عريضة من الشعب عن بضاعة المحتل و شل جانب مهم من الاقتصاده وقذف الرعب والرهبة في قلوب الغزاة . لأن المقاومة بالموجود ولو كان وسيلة بدائية معناه ان الشعب يقاتل قتال اليائس،وهو اقوى قتال . عاقدا العزم على تقديم التضحيات حتى ينال حريته كاملة. .اما الانعتاق من القيود الاقتصادية و تحرير لقمة العيش فهو بداية الطريق للحرية والكرامة.
رغم أن العالم يحتفل بما يسميه اليوم العالمي للاعنف والذي يصادف ذكرى ميلاد غاندي في الثاني من اكتوبر كل سنة. ألا ان هذا اليوم قد افرغ من دلالته و مغزاه. فقد اتخذه العالم خاصة دول الاحتلال القديم. يوما لمناهضة العنف أي ( المقاومة) ونشر ثقافة السلام او بالأحرى ثقافة الاستسلام لتثبيت اقدام المحتل بإراضينا . وهذا ما نسمعه دائما ونحن نواكب اي مواجهات بين الفلسطينيين والمحتل الاسرائبلي. حين تتعالى الأصوات لوقف " العنف " المتبادل و الانصياع الى المفاوضات من أجل " السلام " !!
وحتى الجانب الإسلامي فقد رسخت بعض الجماعات الفاعلة في المقاومة مفهوم القوة بالسلاح وجعلت لها السيوف كشعار .كما اهملت جوانب اخرى من المقاومة الشعبية السلمية التي اثبتت فاعليتها في دحر اي محتل. وهي كما نموذج غاندي. نحن الان نعاني من اقوى زحف غربي ينال من قيمنا وعقيدتنا و مقوماتنا الاخلاقية والثقافية. بعضنا يستسلم و بعضنا مازالت فيه الرغبة بالمقاومة و الممانعة.
سلاح المقاطعة هو ضمن الأسلحة التي يمكن الاعتماد عليها في مقاومة هذا الزحف باي ساحة صراع و هو مجزي و يمكن ان يصل بنا للنتيجة المرغوب فيها. لكن ينقصه دائما الدعامة التي تسنده و تقويه على الصمود والاستمرار حتى يصل لهدفه. وهذه الدعامة هي إيجاد البدائل المناسبة وخيرها ما توافر بيد السواد الأعظم مز الشعب وهو" التراث ".
بكل مفرداته وقيمه . البعض يحصر التراث فيما كتب او نقل من ثقافات وافكار عن النخب من السلف. لكن الحقيقة ان تلك جزء بسيط جدا من التراث. فالتراث هو مجموع أدوات مادية عصارة افكار إبداعية لتسهيل حياة الإنسان على الأرض وهي ايضا تدخر مبادئ واخلاقيات تؤثر على سلوكيات الأفراد وتخلق نوعا من الانسجام بينهم ،ومنها ايضا يستمدون القانون الذي يحكم معاملاتهم والذي تمثله (العادات والتقاليد ) وكل هذا يشكل هوية الشعب ونظام حياته الذي يضمن له الاستمرار.
هذه الهوية هي كما قال الدكتور عبد الوهاب لمسيري " الهوية هي حلبة الصراع بيننا وبين العدو " الهوية التي تشكلت من تراثنا عبر السنين هي المستهدف الأول و لب الصراع بيننا وبين العدو . من يجهل هذا أو ينكره فهو على حافة الانتحار .