كالدو..
الدكتور هاني الجبالي أخصائي الطب النفسي و معالجة الإدمان
الاضطرابات السيكوسوماتية (أي النفسية/الجسدية) تعني باختصار أن الفرد لديه العديد من عوامل الإجهاد النفسي والتي تنعكس بدورها على الجوانب الجسدية، فتظهر في صورة مرض مثل: قرحة المعدة والاثني عشر، ارتجاع المريء، القولون العصبي، صداع الرأس المتكرر، الشعور بالغثيان، الدوخة، مشاكل الانتصاب لدى الذكور، التشنج المهبلي والبورد الجنسي للنساء، ارتفاع في ضغط الدم، قصور الشرايين التاجية، التحسس والشعور بالتعب والإرهاق.. والكثير.
وإذا تم التعامل فقط مع الأعراض دون الأسباب، لن تحل المشكلة بل سوف تتفاقم.
ومن الجدير بالذكر أن المرضى لا يقتنعون في البدايات بحقيقة هذا الاضطراب إلا بعد أن يشاهدوا نتيجة العلاج النفسي على أنفسهم.
للتنويه: هذا الاضطراب يتم تشخيصه من قبل الطبيب النفسي بعد التأكد من عدم وجود سبب عضوي كافٍ لإنتاج تلك الأعراض.
وعلى زملائي الأطباء في فروع الطب الأخرى الدراية بهذا الاضطراب، لكي يقللوا من معاناة المريض في مشواره العلاجي، فالمشتكي من المعدة والقولون على سبيل المثال يذهب لطبيب الجهاز الهضمي (وهذا منطقي).
ولكن على طبيب الجهاز الهضمي أن يكون على دراية بالأمور المتعلقة بالطب النفسي، لكي يقلل من معاناة المريض وتحويله للطبيب النفسي عندما يدرك أن هذه الأعراض لا تتناسب مع أمراضه أو مبالغ فيها، أو موجودة بالكامل ولكن علاجه لا يكفي إلا مع مشاركة الطبيب النفسي.
ما هي مواصفات المريض السيكوسوماتي:
غالباً ما يتميز بأنه عصبي، شديد التوتر، طموح، ناجح، دائماً ما يحاول لفت انتباه الآخرين إليه وإلى نجاحاته، واسع الأنشطة الاجتماعية (أي يتحرك مع الناس وبينهم) وليس بعيداً عنهم، مكتفٍ بذاته ويحب الاعتماد على ذاته.
الا أن التحليل النفسي العميق يكشف عن أن مثل هذه الشخصيات إنما تتوارى في الحقيقة خلف هذه الإنجازات، وأن كل ما سبق ذكره من سمات وخصائص إنما تصرخ وتكشف عن أن الظاهر عكس الباطن تماماً لأنه في الحقيقة يخفي شعوراً قوياً ومدمراً لا يمكن أبداً إنكاره من أنه يعاني من:
الوحدة، الفراغ، رغبة ملحة في التواصل الإنساني مع الناس وإن يرتبط بهم، وأن تهتم به الناس وتتبع أحواله، بل وتظهر اهتماماً بذلك من خلال سؤاله وتقصي أخباره وأحواله، حتى وإن بدى في الظاهر أنه كاره لهذا التدخل في شؤونه ولكنه في الحقيقة مسرور وسعيد جداً لهذا الاهتمام الذي يشير إلى أن هناك في هذا العالم من يتذكره، بل ويرفع سماعة التليفون ويسأل عنه.
كما أن هناك رغبة في أن يفوض بعض المهام لهؤلاء الناس، حتى يؤدوها نيابة عنه، حتى يشعر بالامتلاء والاندماج مع الآخرين.
لكن مأساة الإنسان السيكوسوماتي هي أنه لا يحاول ولا يبدي رغباته تلك للناس، ويكبت مشاعره في الاحتياج والفضفضة إلى الآخر، وتكون النتيجة الحتمية لهذا الكبت مزيدًا من الضغوط على الأعصاب والأجهزة العضوية وما تفرزه من مواد قد تؤدي إلى الحاق أضرار جداً خطيرة بجميع أجهزة الجسم، مع الأخذ في الاعتبار أن التركيز فقط على الأعراض دون الاقتراب من الأسباب لن يحل أي مشكلة، بل قد يقود إلى تفاقمها، حتى تصبح أعضاء هذا الشخص شبيهة بفريق من العازفين، ولكنهم للأسف يعزفون أحنا جنائزياً يسبب الألآم والأحزان، كما يسبب حالة من التشتت والضياع والاكتئاب، بل وربما التفكير الجاد في الانتحار، خاصةً وأن لديه ملفات منتفخة من الفحوص والتحاليل والإشعاعات والروشيتات، وأن هذا الجسد قد تعاطى مئات من العقاقير المتنوعة، بل وربما المتعارضة، وها هو الألم يرفض مباركته أو الرحيل بعيداً عنه، فمتى تنتهي المأساة ويعود سليماً كما كان قبل أن يدخل في هذا المعترك الذي يبدو في الأفق أنه ليس له نهاية حتى الآن.
وأخيراً يجب أن أذكر أن أصحاب هذا الاضطراب السيكوسوماتي قابلون للعلاج النفسي والتحسن بطريقة جيدة جداً.