كالدو..
د.محمود أبو فروة الرجبي
الوضع فِي الأرْدُنّ ليْسَ سهلًا، والمسؤولون كلهم فِي وضع لا يحسدون عَلَيْهِ، وَالأوضاع الاقتصادية صعبة جِدًّا، فإذا كانَت الدُّوَل الأوروبية صاحبة الاقتصاديات القوية تئن تَحْتَ تداعيات رفع أسعار النفط وَألْغَاز، والاضطرابات الحاصلة بِسَبَب حرب أوكرانيا وروسيا، وإذا وَصَلَ العجز فِي بريطانيا العظمى لَهذا العام لأكثر من 55 مليار جنيه استرليني فَمَاذَا نفعل نَحْنُ أصحاب الاقتصاد المتواضع؟
نعرف أننا نعاني اقْتصاديًا قبل الحرب الروسية الاوكرانية، وأن لَدَيْنا أخطاء مُتَراكِمَة أوصلتنا إلى هَذَا الحد، وَلَكِن ما حَصَلَ من تداعيات الحرب ورفع أسعار الطاقة فاقم الأمور، وما حَصَلَ فِي الأيام الأخيرة فِي الأرْدُنّ، يدعونا إلى ضبط النفس، وأن يطالب النَّاس بِمَا يُريدونَ بِطَرِيقَة سلمية بَعِيدَة عَن أي عنف، لأنَّ هَذَا الأمر – العُنْف- ليْسَ فِي مَصْلَحَة أحد، والـمَطْلُوب من الحُكومَة أن تسمع لِلْنَاسِ، وتنـزل إلى الميدان، وتصارحهم وتكاشفهم.
لَدَيْنا فِي الأرْدُنّ إشكاليات فِي طَرِيقَة التعيين، والترفيع وَمُرَاقَبة الأداء فِي القطاع العام، والمجاملة القائمة عَلَى معايير غير مهنية أحيانًا تعطل القطاع العام، بَلْ وتكبح جماح تطور القطاع الخاص، وَفِي الوَقْت نَفْسه هُنَاكَ إنفاق هائل عَلَى الرعاية الاجتماعية، وجزء ممن يعترضون عَلَى الحُكومَة، ولا يُريدونَ مديونية، مَع ذلِكَ يدعون إلى أن تَكُون الأرْدُنّ دَوْلَة رعاية اجتماعية كَامِلَة، وهَذَا مُسْتَحِيل، فدول الرعاية الاجتماعية مثل السويد وغيرها وصلت إلى هَذِهِ الـمَرْحَلَة بعْد عقود من الإنتاجية العالية، والضرائب المتصاعدة، فَمَاذَا نفعل؟
النَّاس تفكر دائمًا باحتياجاتها، ولا يُمْكِنُ أن نخاطب إنسانًا لا يملك قوت نَفْسه بالعقلانية والمنطق، نحتاج إلى أن تَتَحَرَّك الحُكومَة بِسُرْعَة لتطويق الأزمة، من خِلال تخفيض أسعار المحروقات – مَع أن هَذَا يَغْضَب صُنْدُوُق النقد الدَّوْلي-، ومكاشفة النَّاس بِطَرِيقَة التسعير، لأنَّ ارتفاعها لا يؤدي إلى إفلاس النَّاس فَقَطْ، بَلْ والمشاريع أيضًا، ومِن ثمَّ فقدان مَزيِد من فرص العَمَل.
لَنْ نتوقع دعما عَربيًا سريعًا، فَقَد ولى ذلِكَ الزمن، وما نحتاجه فِعلًا فِي هَذِهِ اللحظات العصيبة الثقة، وَهَذِهِ الثقة تحتاج مجلس نواب قوي مُمَثِّل حقيقي للشعب، ودعونا نتحدث بِصَرَاحَة: من يؤيد التعيين بِنَاء عَلَى القرابة، والنسب، فَكيفَ يُرِيد بعْد ذلِكَ حكومة قوية؟ ومِن يفتخر أنه تَمَّ إعطاء أقربائه المناصب العليا، فَكيفَ لَهُ أن يُهَاجِمُ الفساد؟
نَحْنُ لا ندافع عَن أحد، وَلَكِنَّنَا نحتاج كشعب وحكومة أن نراجع أنفسنا لأنَّ كثيرًا من الأخطاء الَّتِي حصلت فِي بَلَدنَا كلنا كنا شركاء بِهَا بِشَكْل أوْ بآخر وكل حسب مسؤوليته، ومنصبه، وأراهن أن الحل القائم عَلَى المساواة الكاملة، واقتصار التعيين فِي المناصب العليا عَلَى الكفاءات بَعَيدًا عَن المحاصصة، والتوقف عَن بَعْض مظاهر الرعاية الاجتماعية الَّتِي لا يُمْكِنُ أن تضر مُبَاشَرَة بالفقراء، والانتخابات النزيهة ستجعلنا نسير عَلَى سِكَّة التطور، والحل يَحْتاجُ إلى صبر طَويل، وَمُشْكِلَة النَّاس الغاضبين أنهم لا يمتلكون ترف الانتظار.
حُمَّى الله بَلَدنَا من كل فتنة، والحكمة والالتزام بِالقانونِ هُما الأساس الَّذِي تنطلق مِنْهُ كل الحُلُوْل، وليعرف النَّاس أن أي مغامرة غير محسوبة قَدْ تُؤَدِّي إلى مَزيِد من السوء.
والله الحامي.