كالدو..
دلال جميل الحنيطي
للعيد حكايا … وللعيد في ذلك الجبل مزمار لا يعزف... الا بأنامل صدق لإطفال من قديم الزمان سكنوه … فعلى اسواره ما زالت احلامهم واعيادهم معلقة … وعند مداخل ازقته يلج صدى الحنين بأطياف كتبهم ومدارسهم …
أعود من رائحة ذلك الزمان .. لاصف ليلة عيد مريخية(جبل المريخ) … تجردت من كل شيء .. ولم يبقى منها سوى تراتيل عشق المكان .. وزمن نفيس…..
ما زالت ذاكرتي تحتفل.. وتحتفظ بمضامينها .. مضامين صدق .. وعهود ياسمينيه .. اذكر تلك الصور تماما كأنها الآن لأشخاص اشتموا الطيبة .. وافترشوا البساطة .. في ليلة العيد... أذكر سلاسل الفرحة .. ووجوه نقية .. كانت نساء الحي تجتمع في ليالي العيد عند كل واحدة لتعين بعضهن بعض على صنع الكعك والمعمول ..
آااه يا امي ولن أنسى تميزك بصنع ( المقروطة ) بالتمر … لتعصف بوجداني صورا مازالت حيه " أم ياسر" ام النافع" ام محمد" وغيرهن... اجتمعن عند امي(رحمهن الله) في تلك الليله.. .. كانت( ام محمد) هي التي تقودهن بمعرفة ادق تفاصيل صنع كعك العيد …
كنا صغاراً نقف بباب المطبخ ننظر عن كثب صنع ايديهن التي لم تعرف يوماً طريقاً ( للمناكير ) بل كانت تفوح منها رائحة الشومر ودقة الكعك والمستكة .. وما زال قالب الكعك الخشبي يذكرني بوقع صوته الطربي .. وكنا عندما نقترب لنرى بتعجب كيفية صنع الكعك .. كانت ام محمد بوجهها الاسمر العفوي تصرخ بنا ان ابتعدوا ..كي لا نلوث العجين بشوائب شقاوتنا .. وكنا نصر ان نفوز بقطعة عجين لنلهو بمرونتها … ونشكلها كيفما تريد عقولنا الندية .. كنت اتمسمر امامهن لارى كيف يجتمع التمر واليانسون بدوائر عمر سيمضي بنا …وكيف لدقيق يشبع فرحة اطفال؟؟
كنا نتراقص فرحا عندما نشتم رائحة الكعك .. وكأنها ايذانا بثبوت العيد … ووشم لتباشير خير في عيون الاطفال.. وترجمة لدقات قلوب صغيرة على موعد مع ارتداء ثوب العيد... ويصدح صوت تكبيرات العيد من حنجرة ابي تزلزلني هيبة … وكانها عباءة امان .. وطوق نجاة ..
كان لصوت مدفع العيد لذة للسامعين .. كانت تأخذني انغام أغنية يا (ليلة العيد أنستينا) من شباك بيت (ابو محمد جبارة) و كانها احد اهم معالم طقوس العيد .. وكبرنا … وتوالت الاعياد .. وفي كل عيد كانت تغادرنا ارواح من المريخ .. تودعنا دون عودة .. لتأخذ معها اسرار مفاتيح العيد... وهرمت حاسة شم رائحة الكعك لدينا .. وذابت جبال ارجوحة العيد .. وضاع المزمار .. وانكسر قالب الكعك .. واصبح المريخ عقيما من رائحة الشومر .. يتيما من تكبيرات ابي .. حتى التي كانت تعجن دقيق القمح بمهارة .. نفضت يديها .. وتلاشت بالأفق .. وتركت وراءها بقايا كعك ليلة العيد ...... .