كالدو..
نزهة الإدريسي/المملكة المغربية
عندما نذكر البيت ، فأول شيء يتبادر للذهن هو ذلك المكان الذي نعود اليه للأكل و النوم وقضاء وقت في الراحة و الاسترخاء ، و تبعا لذلك فالمرأة كربة بيت هي القائمة و المسؤولة الأولى على راحة و متعة ساكنيه ، و حتى الضيوف و الزوار هي مسؤولة على حسن ضيافتهم و خدمتهم .
وهذا ليس عيبا بل يبرهن أكثر على أن المرأة في بيتها يمكن أن تخوض غمار الكثير من جوانب الحياة . فتحقيق الراحة و الاطمئنان في حياة جميع افرد أسرتها معناه أنها تعطي الطاقة الإيجابية لهم و تمدهم بكل ما يؤهلهم و يساعدهم على أداء دورهم في الحياة و المجتمع .
فجميع الدراسات أثبتت أن من يتوفر على بيت مستقر يغمره الحنان و الاستقرار دائما يكون يكون ناجحا لحد بعيد في أداء دوره في المجتمع سواء كان عاملا أو متعلما ، لكن الإشكالية التي تطرح هو أن المجتمع غافل عن دور مهم يمكن أن تقوم به المرأة داخل بيتها أو يتجاهله و ربما اغفاله هو الذي جعل المجتمع مرتبك في مسيرته نحو التنمية و الرقي . البيت هو المكان الذي يرجع اليه كل فرد ناشط من العمل أو الدراسة ليس فقط للاستمتاع بالراحة و الهدوء و المتعة ، بل للتفكر ايضا بأحوال الحياة و همومها و إعادة ترتيبها و التحديات التي تواجه الاسرة و تكون المرأة أو ربة البيت القائم الأول على هذه المشاورات و المتابعات و الترتيبات.
فهي إذن الجندي المجهول الذي يقف وراء استقرار الاسرة و تنظيم مسارها و توزيع الادوار بين أفراد الأسرة أو التنسيق بينها حتى تحافظ على توازنها ، و الاسرة كما نعلم هي الخلية الأولى للمجتمع لذلك إن كنا نرغب بمجتمع مستقر يسير دوما نحو الافضل فعلينا أن نهتم بالأسرة و في مقدمتها ربتها و هي المرأة سواء كانت أما أو إبنة أو مساعدة داخل الأسرة ... . في المجتمعات القديمة كانت مهمة العناية بالبيت تسند للمرأة بينما يخرج الرجل للعمل خارجه علما أن هذا التقسيم فرضته الطبيعة ، لأن عملية الكسب كانت صعبة لا تتحملها المرأة مثل الصيد البري أو البحري أو فلاحة الأرض التي تتطلب أجساما و عضلات قوية كما الاستعداد النفسي الشجاع لمواجهة المخاطر ، أما المرأة فتبقى بالبيت في أمان مع صغارها تهتم بكل اسباب راحتهم و راحة الزوج ، لكن بمرور الزمن و تطور الحياة و وسائل تدبيرها لم تعد طبيعة التكوين تتحكم في الأدوار التي تسند للمرأة أو الرجل بل صارت الثقافات هي التي تحدد ذلك .
تمكين المرأة العربية هو بند من بنود منظومة تحرير المرأة و هذه الاخيرة جزء من ثقافة الحداثة و المد الفكري الغربي الذي رافق الغزو العسكري الغربي لبلادنا العربية بدايات القرن 19 م . و ينكب هذا المشروع أساسا على تحرير المرأة من قيود ثقافتها الوطنية و المحلية " الرجعية " للحاق بموكب الحضارة و الرقي على الشاكلة الغربية ، و مازالت المحاولات مستميتة من أجل إنجاح هذا المشروع وقد استحدثوا له برامج و مؤسسات اجتماعية و صار جزء من التشريعات و القوانين المدافعة عن حقوق الانسان أو بالأحرى المرأة وقد اجتزأت عن شقيقها في الانسانية " الرجل " و المجتمع ككل حين أريد لها أن تثور على المعطيات الثقافية و الاجتماعية لمجموعتها البشرية .
فبدأت المرأة العربية تتطلع للخروج من البيت و العمل خارجه خاصة مع ظهور تيارات و منظمات تحفزها على ذلك و تعتبره حقا من حقوقها وتوهمها انه السبيل الوحيد للتحرر و اثبات الذات و بالتالي تحقيق الرفاه و الاطمئنان و صون الكرامة . من هنا بدأت الاشكالية ، فلكل مجتمع معاييره الاخلاقية و موازينه الثقافية و مفاهيمه التي تحكم توجهاته و سلوكياته مستمدة من معطياته التاريخية و النفسية و الاجتماعية و الثقافية في مقدمتها الدين و العقيدة . هذا على مستوى المجتمع ككل .
أما بالنسبة للجنسين المرأة و الرجل فتحكمهما زيادة على تلك المعايير الطبيعة و الفطرة ، فالتكوين الفيزيولوجي لكليهما مختلف عن الاخر و كذلك النفسي به بعض الاختلاف لذلك و قبل أن نضع اي برنامج لتمكين المرأة علينا أن نراعي كل تلك الاعتبارات ، الظروف الاجتماعية و التاريخية و الثقافية و الدينية ... و كذلك تنظيم علاقتها بالرجل حتى لا نلقي بها في صراعات و تحديات لن تزيد حياتها الا تعقيدا و شقاء .
المرأة العربية ، وبغض النظر عن مستواها الاجتماعي أو التعليمي و الثقافي ، فإنها تمتلك مواهب و قدرات خلاقة حباها بها المجتمع ، فالفتاة في مجتمعاتنا العربية على الخصوص تتربى على اخلاقيات و عادات تؤهلها لتكون ربة بيت جيدة و ممتازة .
فالأم عادة ما تجتهد في هذه المسألة و لا ترى النجاح لابنتها في الحياة إلا إذا كانت مؤهلة لتسيير شأن أسرة و تحقيق الاستقرار و السعادة لها و امتصاص غضب أو قلق الزوج و معالجة أي ظروف طارئة بالبيت بصبر و حكمة ، هذا الأمر يمنح الفتاة فرصة لتدبير شؤون الحياة من كل النواحي ، و بالتالي الاهتمام أكثر بالشأن العام ، تقلبات الاسعار ، اقتناص الفرص الشرائية ببعض المناسبات ، ادخار الاموال تحسبا للأزمات أو استعدادا لمناسبات و أعياد قادمة و هكذا .. ، زيادة على الصبر و تحمل التقلبات النفسية و المزاجية للرجل و للأسرة ككل بدون كلل أو ملل .
وبالتالي يبقى السؤال هنا ، كيف نستفيد أو نستثمر كل هذه القدرات لصالح المرأة نفسها و المجتمع ؟
نعود هنا لتعريف التمكين حسب المفهوم العام ، وهو امتلاك المرأة للموارد الاقتصادية و الامكانيات التي تمكنها من إنشاء مشروع خاص ، و التمكن من إدارة مشروعها و تحديد اهدافه ، ثم الانجازات و اولها تحقيق مكسب مادي يمكنها من تحسين مستواها المعيشي .
بالنسبة للموارد ، فاول شيء يتوفر للمرأة هو البيت سواء بيت الاسرة أو الزوجية ، و البيت مساحة مهمة في المجال الاقتصادي و إنشاء المشاريع الصغرى و المتناهية الصغر ، و بإمكان المرأة أن تستثمر فيه مواهبها و قدراتها سواء في الطبخ أو الاشغال اليدوية المتنوعة أو حتى المشاريع الثقافية و التعليمية إن كان لديها مستوى علمي أو ثقافي معين إذن فالموارد الاساسية متاحة .
بالنسبة للبند الثاني وهو الادارة ، المرأة هي الاقدر على متابعة السوق و الاحتياجات الضرورية و الكمالية ، وتستطيع كذلك تحديد المستوى المعيشي و القدرات الشرائية للوسط الذي تعيش فيه و بناء على ذلك يمكنها تحديد مناسبات العرض و نوعية المنتوج الذي يليق للظرف كما يمكنها التنويع في المعروض حسب المناسبات و الظروف و لا تتقيد بمنتوج واحد كما المشاريع الكبرى . و هذا يعطي لعملها و مشروعها ليونة أكثر و يحميها من الخسائر .
و بالنسبة للإنجازات ، و هو البند الاخير في قضية التمكين ، فعندما يتوفر للمرأة فضاء أو مساحة العمل فإن هذا يوفر لها اكثر من نصف التكاليف و البيت هو مكان مناسب لأي نشاط خاصة إذا تعلق بحرفة يدوية أو مهارة ، ثم مواد و وسائل الانتاج التي يمكنها أن توفرها من مدخرات مصروف البيت أو بنظام الجمعيات النسوية إن لم يكن لها مورد آخر ، اما رأس المال فهو مهاراتها و ما تتقن من عمل ، فكل شيء مطلوب في السوق .. و بذلك ستكون المردودية مجزية و فرص الخسارة ضئيلة جدا .
لكن أهم شيء هو دعم المجتمع لها و بخاصة الأسرة و في مقدمتهم الرجل سواء كان أب أو زوج أو أخ ، ثم دعم الدولة المتمثل في تسهيل تسويق منتوجاتها بفتح بوابات و منافذ خاصة بتصريف بضائع الأسر المنتجة مع إعفاء ضريبي تام ، كما تنظيم معارض مستمرة و متحركة في الداخل و الخارج بالتنسيق مع منظمات تهتم بأحوال و حقوق المرأة . إضافة لدعمها ماديا عند الحاجة و تزويدها بالوسائل الضرورية لتسهيل الإنتاج و بهذا سوف نستفيد من طاقات مازالت معطلة في مجتمعاتنا و المتمثلة في " ربات البيوت " و البيوت كذلك كمؤسسات تنموية .
و بالنسبة لفئة أخرى وهي فئة " أصحاب القدرات الخاصة " فالمكان الأنسب لهم هو بيوتهم لتلقي الرعاية الكاملة و الطبيعية تحت إشراف أهلهم و بين أحضان أمهاتهم و هذه الفئة يلزمها برامج خاصة تطبق داخل بيوتهم تمكنهم من الادماج في منظومة التنمية كل حسب قدراته . و بهذا سنتمكن من إدماج البيت و المرأة إلى جانب أصحاب القدرات الخاصة داخله في عملية التنمية و إبراز دور البيت و أهميته في تحريك عجلة الاقتصاد و الرقي بالمجتمع .
وأهم شيء أن نتخلص من تلك النظرة الدونية التي ورثناها عن ربة البيت و البيت ككل كونه مقر للاستراحة و الدعة والمرأة بداخله مجرد خادمة وقائمة على راحة و رفاهية ساكنيه و نغفل دوره و أهميته في حياة المجتمع إقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا كذلك . فهو المعيار الأول لاستقرار المجتمع من عدمه وهو أول مؤسسة تتأثر بالتقلبات السياسية أو الاجتماعية و الاقتصادية لهذا وجب الانتباه و المبادرة بالعناية به و بالمرأة داخله