كالدو..
دلال جميل الحنيطي …
( باب بيت جدي ) ....
عاد بي الحنين … الى بيت جدي …ذلك البيت... الذي ألفته الفصول ...وعشقته سلال القش...وتناغم مع طاحون قمح الطيبين.. .. ..ففتيل مصباح سقفه العالي مازال يهدي انواره لحنايا قلوبنا .... .... وعلى طين نافذته.. .. تسكن باقات شيح... تمسح على كل الم عنيد....... . ذلك الزمن مازال منقوشا بأسمائنا.. .. مذيلا بقصاصات ذكريات الطوابين الريفيه.... كنت أجد نشوة لا تضاهى.. عندما احط رحال عطلتي الصيفيه.. في ذلك البيت المغزول بخيوط ارث مهيبة....الممزوج.. بفوضى .. وسلام … كان ذلك البيت الحنون
واسعااا بردهته …ممتداا بأرواحنااا …محاطاً بطمأنينة وسكينة خفية … كان ... جميلااا.. بحجم قلوب من سكنوه .. وأحبوه… ..… تسمع فيه صدى صوت خافت.. وديع..يهديك رسائل دعاء ولا أجمل ….... … … لم نزل نحتفظ بتفاصيل نورانيه.. . ترغمنا على العودة الى ذلك الصرح.. .. وزيارته في خيالات الصبا …ليأسرنا صوت المهباش في الصباح بين انامل جدتي لطحن حبات قهوة تفوح من دلة عز وفخار … ولتسرد لنا في مهارة دقها ألف قصة.. وقصه.. .. . … فعلى عتبته حقول امان.... وجداول نعيم...ووسائد هناء.. … وكما وجدت البدايات....فلابد من حقائب سفر للنهايات.....
لن أنسى أخر يوم لنا في ذلك البيت العتيق … اليوم الأخير لعزاء جدتي... اجتمعنا مساء نبكيها …ليشرح الدمع ماكان علينا عصيااا... لنودع جدراناً شامخة رسَمنا عليها يوما ما احلامنا.. …ونظرة وداع لرفوف بيت الحمام...
ومع اللحظات الحاسمة ..حكنا كلمات اخيره على تنور تهالك جمره....وقمنا نتقاسم اشياء بيت جدي... كتذكار . .... هذا اخذ أبريق نحاسي .. وتلك أخذت سبحة مباركة احتضنها جدي لسنوات … وهذا ظفر بسجادة طهر شهدت سجود عجوز. لم تعرف يوما طريقااا لاسوار المدرسه . …
آلمتني واعتصرتني تلك اللحظة … لحظة اطفاء نور مصباح بيتك يا جدي … واغلاق باب بيتك الكبير … التي ما زالت طرقته تهز وتعصف بأروقة رووحي .. وأصبح البيت خال من أعمامي ووالدي … ومن صوت جدتي المبحوح... ومن تجاعيد يد جدي.. ومن صندوق خشبي.. احتضن سيلا من اسرار وبراءة طفولتنا.... وتضائل صوت المدفأة واختنق الدمع في ليل حطبها… وابتعد الاقارب في ساعة غرووب باااردة... … ... ولم يبقى لي .. ولأحبتي .. سوى..... َبقايا أحرف لقصص أميرات خيالية كانت ترويها لنا جدتي.... ... وأمواجاً من سهرات قمرية ....
رحلوا رواة قصة الشاطر حسن....رحلوا صناع الطيبة.... رحلوا من تغنت بهم اثواب الهيبة... رحلوا من كانوا يشاطرون الشمس دفئها....رحلوا من طوعوا الارض بمنجل الخير...
أما عني انا... فقد خبأت بجيبي حبات قهوه لم يكتب لها الدوران في مهباش جدتي...خبأتها جيدااا..لكي اشتم رائحتها بحرارة.. وغبطة.... كلما عاد بي الحنين.... الى باب بيت جدي..... …...