كالدو...
الدكتور هاني الجبالي أخصائي الطب النفسي و معالجة الإدمان
هل يعتبر طلاق الأهل المضطربين سترة نجاة لأطفالهم؟
للإجابة على هذا السؤال، علينا إدراك أن الأصل في الزواج هو الاستمرار والديمومة وخاصة أذا أفرز هذا الزواج أطفالاً ولكن لا يجب أن ننظر إلى الطلاق وكأنه شر على طول الخط، فالأختيار غير السليم منذ البداية لشريك الحياة ودخول الطرفين في كراهية ومقت وعداء وعدوان مستمر، لا يكف ولا يهدء وبعد استنفاذ جميع المحاولات الإصلاحية لرأب الصدع ومحاولات تقريب وجهات نظر الطرفين، فإن فشلت هذه المحاولات فمن الأفضل الطلاق رغم أنه أبغض الحلال عند الله.
الآن يرى البعض بأن الطلاق عبارة عن نهاية مؤلمة ومحنة و أزمة وكارثة ومأساة لكلا الطرفين، وأن كليهما خاسر وخاصة قد تتزايد الخسائر إذا كان لهما أطفال، لأنه على الأطفال أن يعيشوا مع طرف بدون الطرف الآخر، ناهيك على أن الطرف الذي يعيش معه الأبناء يسممون أفكارهم ويشوهون رؤيتهم عن الطرف الأخر، بغض النظر عما إذا كانت هذه الأفكار صحيحة أو مبالغ فيها، ناهيك أيضًا عما تتركه هذه الخبرة المسمومة في نفوس الأبناء من تشوهات نفسية قد تترك بصمتها طوال العمر على شخصياتهم وأستقرارهم النفسي، ولذا قيل أن الطلاق كارثة يدفع ثمنها الأطفال وحدهم، لأن الأب قد يتزوج بأخرى، والأم قد تتزوج بأخر (ويعيشان حياتهما) ويظل الأبناء حائرون وغير مستقرون وفي شاعرين بالأمن من خلال وجودهم مع طرف غريب، والذي قد يذكر صراحة عدم رغبته في رؤيتهم) وهكذا تتواصل وتتمدد خيوط وحبال المأساة.
ولكن قد يكون الطلاق سترة النجاة للأطفال، على أساس أنه أحد صمامات الأمن للتوترات الحتمية التي تقع في الحياة الزوجية، على أساس أنه الحل الأمثل والجراحة التي لابد منها لبتر هذه العلاقة الشائنة بدلاً من استمرار الخلافات والمشاحنات والتي تتدهور بمرور الوقت .
ومن الجدير بالذكر أنه قد يتم الطلاق وخاصة إذا كان الطرفين ناضجات انفعاليًا دون خسائر كثيرة، إذ أنهم يطبقون القاعدة الإسلامية (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) ولذا يحرص كل طرف أن يلتقي مع الطرف الأخر ويعامله بإحترام وتقدير من أجل صحة الأبناء النفسية والجسدية والعقلية.
وهنا ننصح كل مقبل على الزواج: دقق في اختياراتك قبل الزواج.. وأعلم أن الحياة الزوجية ليست أحضانًا وجنسًا وقبلات، بل مشاركة وتعاون وود وسكت وحنان وبيئة يجب أن نوفرها لأولادنا حتى يتم تنشئتهم في آمان وسواء.. ولن يتم ذلك إلا غذا كان طرفي العلاقة الزوجية في الأساس أسوياء.. وأن الأصل في الزواج الديمومة والاستمرار.. فإن حدث عكس ذلك فيجب الطلاق والذي هو (أبغض الحلال عند الله(.
والطلاق في بيئة يسودها الأنتقام والكراهية أفضل بكثير من مجرد الأستمرار (لأن الأمور قد تتطور إلى ماهو أسواء وأبشع في يوم ما وهذا اليوم ليس ببعيد(.
والأهم ضرورة إجراء دورات تدريبية وتأهيلية ليس فقط لمن مر بتجربة الطلاق، بل للأشخاص المقبلين على الزواج أو الذين سبق لهم الزواج، حتى يتعلموا الفنون والاجراءات والإستراتيجيات المختلفة لإدارة الحياة الزوجية والوصول بها إلى بر السلامة والآمان.
واخيرًا لابد أن نشير إلى صحة أن الطلاق يؤدي في بدايته الأولى إلى حالات نفسية متأزمة ومشاعر وأنفعالات مؤلمة ولكن بعد فترة قد يعيد كل فرد أكتشاف نفسه حتى يتحول الطلاق من محنة إلى منحة، فالعصى التي لا تكسر الظهر تقويه، وهذا ما أردت أن ألفت الأنتباه إليه فالطلاق رغم أنه ابغض الحلال عند الله ألا أمر حدوثه في بعض الأحيان قد يكون ضروريًا لكلا الطرفين خاصة لمن استحالت العشرة بينهما.