كالدو..
الدكتور هاني الجبالي أخصائي الطب النفسي و معالجة الإدمان
الطب النفسي الداخل مفقود والخارج مولود
هذه العبارة يرددها الكثير من أهل المرضى و أقاربهم، وغالبًا تكون نتيجة جهلهم في الكثير من الأمور المتعلقة في الطب النفسي وطبيعة أمراضه والعلاجات المستخدمة فيه. كما أن قولهم لمثل هذه العبارات بلا شك يخفي جبلاً متلتل من المخاوف والحالة النفسية السيئة التي يمر بها أهل المريض.
ولمحو مثل هذا الجهل وإزالة المخاوف النفسية المتعلقة بها، يأتي الطبيب النفسي ليقوم بدور المترجم لكل ما هو مبهم عن طريق التثقيف النفسي. وهنا يتوجب علينا توضيح بعض الحقائق الرئيسية والمتعلقة بالطب النفسي؟ 1. يؤثر الاضطراب النفسي على شخص واحد من كل ثمانية أشخاص في العالم واضطرابات القلق والاكتئاب تحتل المراكز الأولى. 2. تنطوي الاضطرابات النفسية على إختلالات في التفكير أو ضبط المشاعر أو السلوك بالاضافة إلى إختلالات في الإدراك الحسي بأشكاله. 3. هناك أنواع كثيرة ومختلفة من الاضطرابات النفسية جزء منها يكون المريض مستبصر ومدرك لحالته المرضية وحاجته للعلاج، وجزء آخر يفقد المريض الاستبصار وينفصل عن الواقع. 4. توجد خيارات فعالة في مجالي الوقاية والعلاج رغم أنها لا تتاح لمعظم الناس 5. الاضطرابات النفسية منها ما هو حاد ويستغرق علاجه أشهر ومنها ما هو مزمن ويتراوح علاجه لسنوات وربما مدى الحياة. 6. تتراوح الاضطرابات النفسية بالشدة فمنها ما هو خفيف ومنها ما هو متوسط والبعض الأخر شديد وربما مستعصي. 7. بعض الاضطرابات وبالأخص المزمنه منها (البعض وليس الجميع) لا يمكن التنبوء بمستقبلها بشكل واضح ودقيق إلى يومنا هذا. 8. ليس كل مريض نفسي يفقد الاهلية (أي يصبح غير واعي وغير مقدر وغير مدرك)، ودليل ذلك أن الكثير من طبقة الفنانين والمشاهير والسياسين والكثير من الحاصلين على درجات علمية عالية، هم مرضى نفسيين وخاضعين للعلاج، ويتمتعوا بكامل قواهم العقلية ويمارسون واجباتهم الوظيفية على أكمل وجه.
ما أسباب الأمراض النفسية ومن هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة؟ قد تجتمع في أي وقت من الأوقات طائفة متنوعة من العوامل الفردية والأسرية والمجتمعية والتي بدورها قد تحمي الصحة النفسية أو تنتهكها. ورغم قدرة معظم الناس على الصمود بوجه المصاعب، فإن الأشخاص الذين يتعرضون لظروف شاقة بما فيها الفقر والدين والعنف والإعاقة وعدم المساواة والقهر، هم الاكثر عرضه لخطر الاضطرابات.
ومن أبرز العوامل المؤثرة على قابلية الفرد للإضطرابات النفسية هي: 1. عوامل جينية وبيولوجية: فالجينات تلعب دور أساسي في قابلية الفرد للأمراض النفسية بالإضافة إلى وضع الإنسان الجسدي والمشاكل الصحية التي يتعرض لها. 2. عوامل نفسية: وهنا تعتمد على وجود اضطرابات أصلاً بالشخص، كإضطرابات الشخصية وتعاطي المخدرات، وهذا بحد ذاته يفاقم الامور. 3. عوامل بيئية وهذه العوامل عادة ما تتعلق بالأسرة وجو العمل والحياة الاجتماعية وما يلحقها من تبعيات ظلم وقهر وعجز وعدم مساواة.
بالنهاية أحب أن أختم هذا المقال موضحًا حقيقة جوهرية عن الأمراض النفسية وهيا أنها كسائر الأمراض لا تميز بين صغير وكبير، و بين فقير وغني، والإنسان في هذه الحياة معرض لجميع أنواع الضغوطات والعوامل المساعدة وفي حال وجود المرض يتوجب الأخذ بالأسباب والبدء بالعلاج وذلك لإستمرار الوظيفة التي كلفنا الله تعالى بها وهيا عمارة وخلافة الارض.