كالدو..
الدكتورة الاعلامية ربى بدران
جوهر هذا التصوُّر المشوه يكمن، في أننا وفِي اللا وعي الكامن عميقا في أرواحنا.. ننظر إلى السعادة كمفهوم مادي.. وكأنها قطعة أرض بعيدة نرغب في الوصول إليها وتملّكها.. بيت يمكن لنا أن نبنيه بحيث لا يمكن للحزن أن يدخله.. نقطة على طريق.. متى ما تجاوزناها بسياراتنا لا يمكن للحزن أن يصلنا..
هذا التصوُّر الخاطئ هو بالضبط ما يجعلنا في حالة سفر دائم باتجاه تلك النقطة الخيالية .. ولتبرير حالة السفر هذه، تجدنا دائما نضع معرفات مادية لتحمي هذا التصور الهش الخاطئ.. سأكون سعيدا عندما أتخرّج.. عندما أتزوج.. عندما أمتلك بيتا.. عندما يكبر أطفالي.. عندما أنشئ عملي الخاص.. وعندما وعندما وعندما.. إلى أن يصل الإنسان إلى حالة يؤجل فيها كل ابتساماته في انتظار لحظة لن تجيء..
نقض هذا التصوُّر يكون بإدراك أن الإنسان لن يصل أبدا إلى نقطة لا يحزن بعدها.. هذا السفر المتخيل هو سفر عبثي.. لأنه حتى لو توافرت كل الماديات التي نظن أنها أسباب للسعادة، سيداهمك الحزن.. بأي طريقة كانت.. وبسبب أو بدون سبب.. لأن السعادة لم تكن أبدا بيتا بقواعد راسخة.. هي طيف.. خيوط دخان في الهواء.. تفاعل غير متزن.. يظهر ويختفي بسرعة.. لحظات يسرقها الإنسان من زمانه في كلّ يوم.. ويستمتع بها ثم تمضي كأن لم تكن..
ان استمتعت بوجبة ساخنة حصلت على السعادة.. ان رافقت فتاة جميلة حصلت على السعادة.. ملابس جديدة.. نتيجة جيدة في امتحان.. ركعتان في الليل.. بل وفراش وثير حتى تتقلب فيه كقطّ.. هذه هي السعادة.. السعادة شيء يومي ولحظي وآني.. يحدث الآن ويحدث هنا! قد لا يدوم سوى ساعات أو دقائق.. لكن هذه هي السعادة في النهاية.. تفاعل غير متزن.. نستمتع به ما بقي..
طبعا، قد يقول قائل أن الدنيا دار ضنك وأن السعادة في الآخرة.. وهذا صحيح فقط إذا ما تكلّمنا عن السعادة المطلقة.. لكن بما أننا الآن على هذه الأرض.. ويوجد بعض السعادة هنا.. فلا يوجد ما يمنع أنه بين حزن وحزن.. يمكننا الاستمتاع قليلا..