كالدو..
الدكتور هاني الجبالي أخصائي الطب النفسي و معالجة الإدمان
منذ وجد الانسان على سطح الارض وقد آلمه عدم فهمه للعديد من الأمور والظواهر، وبالأخص الغامضة منها والتي لا يعرف لها تفسيرًا ومن ثم لا يعرف سبل لمواجهتها أو الخلاص منها.
كما أن الكثير من المؤرخين-وبعد دراسة وتحليل لحياة الانسان-يعتقدون أن الفكر العلمي والمنطقي ما هو إلا وافد حديث على الحياة الذهنية والعقلية للإنسان، وأن الإنسان الحديث قد لا يتمتع إلا بقشرة رقيقة للغاية من الحياة العقلية المنطقية.
وكلما زادت ظروف الحياة صعوبة بالإضافة للأخطار التي تهدد كيان الجماعة دون أن يجدو الوسائل الايجابية الفعالة لدرئها أو تجنبها، زادت حالات التشاؤم والخرافات لديهم في المقابل.
أي أن التشاؤم والخرافات تزداد بإنتشار حالات القلق والإضطراب والشعور بالضعف والعجز عن مواجهة مشكلات الحياة ومخاطرها.
ولذلك فإنه في مثل هذه الظروف القلقة والمضطربة تجعل الإنسان أكثر استعدادًا لقبول الكثير من الأشياء التي يمكن أن يتشاءم منها.
ولذا فإن فهم البيئة التي يعيش فيها الإنسان والسيطرة عليها ومحاولة إيجاد فهم أو تفسير أو حتى حشو الفراغ المعلوماتي لديه عن الأشياء بأفكار واعتقادات، لا شك أن ذلك كان يريح الإنسان.
فكلما امتلك المعرفة والوعي والبصيرة، زاد لديه احساس السيطرة على البيئة وعلى بعض جوانب الكون في مقابل أنه عندما كانت قدراته والعجز في السيطرة على البيئة تتعطل أو يعوقها عائق، كان يستشعر الخطر والعجز، وهذا العجز كان يدفع الانسان إلى تقديم القرابين والذبائح والطقوس في حالة لإرضاء هذه الأشياء، وما أكثر الأشياء التي كانت تمثل له لغزًا وغموضًا، لدرجة أنه كان يعبدها حتى لا يلحقه ضررًا منها.
ولذا فقد عبد الانسان البدائي الشمس والقمر والعواصف والنار والصواعق وغيرها من الظواهر الطبيعية التي روعته وأثارت اهتمامه بشدة بأسها وتأثيرها في حياته، فتصورها كائنات هائلة القوة واستسلم لها.
ومع الوقت تحولت هذه الطقوس إلى أساطير ما زالت حية ونرددها، وان كانت قد خلعت أرديتها القديمة وارتدت أدوية حديثة.
والواقع أن الحسد بالمعنى الأخلاقي -أعني مجرد الحقد على الآخرين بسبب حصولهم أو حيازتهم لميزات لم يحظ بها الحاسد -وأيضا بالمعنى السحري-وأعني الحسد الذي يأتي عنه نتائج ضارة المحسود، وقد ورد بمعظم الكتب المقدسة، بل وصار معتقدًا راسخًا لدى معظم الناس.
وأما ما يتعلق بالأشخاص الذين يستخدمون قول (العين فلقت الحجر) و (الحسد مذكور في القرأن) وذلك من أجل تعزيز أقوالهم والدفاع عنها، فقد رد عليهم الكثير من العلماء المشايخ بتفاسير جميلة وخالية من كل ماهو ذو جهل وتشاؤمي.
ومن جهة أخرى ومن قلب العيادات النفسية، فإن معظم المرضى قبل ان يتم تشخيصهم لدينا وإعطائهم العلاجات المناسبة، كانو قد دخلوا في متاهات الدجالين والشعوذة تحت غطاء الحسد والسحر.
إذ يؤدي أسلوب التفسير التشاؤمي في ضوء منظومة العجز التي أكسبها الفرد لذاته،إلى إمكانية الوقوع في العجز والاكتئاب، خاصة عندما يواجه الفرد أحداث لا يستطيع التحكم فيها، فيضخم من الحدث ويزداد لديه الإحساس بالخطر، وقد يسقطه ذلك للوقوع فريسة في قبضة الامراض، بمختلف صورها وأشكالها، وقد ذكرت نتائج العديد من الدراسات كيف أن الأشخاص المتشائمون يقعون فريسة للأمراض الجسيمة المختلفة وخاصة تلك الامراض المزمنة مثل السكري والضغط والقلب، بالإضافة إلى حدوث أضرار وقصور وعجز وفشل من نواحي أخرى مثل الأداء الدراسي أو الأكاديمي أو المرضي وغيرها من المجالات.
وقد أكد سليجمان أنه من الممكن أن نعالج الأشخاص الذين يعانون من التشاؤم عن طريق ما يسمى بتحديد أنواع الأفكار والمعتقدات السلبية لدى هؤلاء الأفراد، ثم نقوم بعملية تفنيد وتعديل لمثل هذه الأفكار حتى تصبح أكثر منطقية، وبالتالي تزيد من مساحات المنطق والتفاؤل وتقلص من مساحات اللاوعي والتشاؤم، وأطلق سليجمان على هذا الأسلوب العلاجي للأفراد المتشائمين اسم (إعادة البناء المعرفي) وهو مانستخدمه في العلاج النفسي غير الدوائي.
واخيرًا أحب أن أختتم هذا المقال بالتذكير الأسلامي المستمر في زرع الامل والتفاؤل وابعاد الشئم ومحاربة الجهل وتعزيز العلم، وجميع ذلك ما هو إلا تحقيق للإرادة الإلهية في خلافة الارض وإعمارها وإزدهارها.