كالدو..
رغد فوزي الشوفاني _ الجامعة الأردنية
حالي بعدَ غِياب
ما كُنتُ يومًا قادرًا على هجرٍ و فراق ، لتُصبح كتاباتي عنهُم ذِكرى كانتْ ، ويأتي دجى اللّيل و الناس نِيام فتعصف ريح الفراق ، فما حالي بعد غياب !
بكى قلبٌ ومات أملٌ ، حتى نفسي أوشَكَتْ على الرحيلِ وما عادتْ تشتهي الحياةَ ببعدِهِم ، و السبيلُ إليهِم ما عادَ طريقًا للوصالِ ، بعدما كان ذكرُ اسمهم امانًا أصبحَ ذِكرهم شوقٌ وحرمان ، والنفسُ تأبى الحديثُ عنُّهم .. وبعدَ ما كان الوصلُ بيننا بضعُ أميالٍ.. صرنا نشتاقُ لرويتِهم في الأحلامِ أو حتى في الخيالِ ، ما كُلُّ ما يطلُبُه المرءُ يلقاهُ .. لكنَّهُ يلقى كلُّ ما لمْ يطلبه . تبعثرتْ حروفٍ تاهتْ دموعٍ وشرُدَ ذهنٌ .. كُسِرَتْ أمآلُ بقائِهِم و وعودِهُم ، فيا ليلي إشكِ لِقمري عن حالِيَ .. ويا شِعري ما عُدْتُ أعرِف أُنَظِم القوافِيَ .. .
وعنْ حالي في قُربِهم ... وما قبلَ الغياب .. ضِحكاتٌ لا تغيب ، و حِكايات تُروى لهُم ، فالأمانُ في حضرَتِهِم فما عِدتُ وحيدًا في ُقربِهُم ، وعلى أنغامِ أصواتِهُم يرقصُ الفرحُ داخلي طَربًا ويَنبُتُ من جوفِ الروحِ زهرًا.. اللَّيلُ سكينة في قُربِهم . والظُهرُ مَحَطُ إِنتظارمَجيئهٍم .. تُشجينا رائحة عُطرِهم , أو صورةً لهم و يَهيمُ القلبُ بِرؤيَتِهُم ، والقلبُ لا يشكو جَرحًا بِقربِهُم ، و شَرخُ الروحِ عندما يعلمُ أنَّهم دوائَهُ يحلو لهُ الوجَعُ وكأنَّهُ شفاء لهُم , و حتى الموت يحلو لو كانوا هُم آخِذوا أرواحَنا .
إني أخافُ أنْ أفقِدُهم.. فَيا ليتَني سماءٌ أحويهُم كالنجومِ , ويا ليتَني مِعْطَفٌ لهم في فصلِ الشتاءِ . "إنَّ القلبَ لا يَعرِف معنى الحُزنِ في قُربِ من يُحِب . "
وفي وَصْفِ أولَ ليلٍ بعد غِياب .. إبتدى اللّيلُّ وكانَ لنا بالأمسِ أحباب ، واللَّيلُ ما هُم سِوى أغراب ، القلبُ هشٌ ، رِخْوٌ و هزيلٌ وصارَ يَعرِفُ معنى الحزنَ .. أصْبحَتْ حياتي كثيرُ ضباب ، عُدتُ وَحيدًا ، ما كانَ لِقلبي أنْ يَتَسِعَ كُلَ ذاك .. تَعَلْثَمَتْ خيباتي داخِل حُنْجَرَتي و ما عادوا أَحبابْ أو حتى أصحابْ ، يَلْتَهِبُ القلبُ لِفُرقاهم والعقلُ يرفِضُ الأفكارُ وما ظَلَّ بقايا من ذِكراهُم سِوى رائِحَةَ عُطرِ وصُورٍ، فيا ليتَ الذكرياتُ معهُم ذَهَبَت ولا يبقى لهُم تِذكار ، باتَ كُلُّ ما يَكتُبُهُ المرء عنهُم ماهو سِوى أسطُرٍ وعِبارات .. ما كانوا يومًا تحتَ سقفِ الغياب .. واليومُ هُمْ فوقَ عَرْشِ القُربِ أغراب ، ما عُدتُ أتّوَقُ لِقُربِهُم ، حتى ذِكرهُم صارَ نذيرُ شؤمٍ ، ولكنَّهُ صِراعُ النَفسِ العقلُ يريدُ البعد والقلبُ يّودُ البقاء ، يَعِزُ على المرءِ أنْ يُصَنِفَ أجملَ أيامَ حياتَهُ ذِكريات ، يَعِزُّ عليهِ أنْ يَترُكّ في المنتصفِ .. أنْ يهون على من يُحِبْ.. فالكُلُ في بُعدِ الأحبة أغراب ، والمواساةُ في عِزِ جُرْحِ بُعدِهُم لا تنفعُ والنفسُ تُحاكي ذاتَها من فرطِ الألم ، يَصِلُ الأمرُ للكاتبِ اّلذي فَقَدْ أنْ يتهجأَ حُروفِهِ مِنْ فَرَطِ الخِذلان .
ماعُدتُ أشتهي أنْ أكونَ سماءً تحويهُم ، ولكِنَّهُ القلبُ التوّاق الذي تمنى أن يكونُ طائِر يُحَلِقُ في سماءِ دِيارِهِم ويعرِفُ حالَهَم أو كالحمامِ الزاجلِ يحومُ بِرسائِلِهُم ولكنَّها الحياة نذهَبُ لها فتُعطينا ما نُحِب ونَرجِعُ مِنها فارغي الأيادي ، لا عَتَبَ على الحياةِ وإنَّما العتبُ على من تَركَنا بها،فما نحنُ إلا مُسافرون في هذهِ الدُّنيا نغادِرها ولا تُغادِرُنا والأحبة يُغادِرونا و ذكرياتِهُم لا تُغادِرُنا .
ما كانَت الحروفِ كافِيَةً لِوصفِ كُلِّ ذلك ، لكِنَهُ شتاتُ الحروفِ جَمًّعّ عُنوان نصي : حالي بعد غياب .
رغد الشوفاني