كالدو..
الدكتور هاني الجبالي
أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان
الرجوع للدين في تعزيز الصحة النفسية
قبل البدء .. يوجد بعض الحقائق يجب أن نتفق عليها في هذا الموضوع:- بدايةً بأن المرض النفسي ناتج عن عدم اتزان في النواقل العصبية في الجهاز العصبي المركزي وهو كسائر الأمراض المثبتة علمياً في دائه ودوائه.. ولا يفسر إطلاقا بنقص الوازع الديني والايماني.. فمرض السكر مثبت بنقص الانسولين.. ومرض الاكتئاب المزمن مثبت بنقص السيروتونين في الدماغ ..وعلى هذا المنوال نقيس الأمور.. أما الدين والتدين هي مفاهيم منفصلة عن بعضها، حيث أن الدين هو مصطلح فلسفي لاهوتي، بينما التدين عبارة عن حالة نفسية قد تكون اضطراباً في حالات التعصب والتطرف. تعريف الدين هو وضع إلهي لذوي العقول السليمة باختيارهم سبيل الصلاح والفلاح باطناً وظاهراً، ويقصد بالوضع الإلهي بأنها الحقيقة الأولى التي يحس الفرد نفسه مدفوعاً بها الى الاستجابة لها بالمهابة والجد،دون أي ترمز أو استهزاء. وهنا نؤكد على أن الانسان بطبعه كائن متدين ،والايمان الروحي أوالديني بالقيم والمبادئ والمثل والمعايير والقواعد والنظم الشرعية من أقوى العوامل التي تحفظ على الانسان صحته النفسية والعقلية والجسدية. تعزيز الصحة النفسية عن طريق الدين الدين يرى في الانسان أن يتسامى بغرائزه وأن يكون لديه الارادة لكي لا ينزل الي المستوى الحيواني في اشباع غرائزه وان الاشباع يتم وفقا لأسس ومبادئ مشروعة ومعلومة يجب الالتزام بها من قبل الجميع. الدين يجعل الفرد إيجابيا أي لابد أن يدخل في علاقات (مشبعة) مع الاخريين وينمي فيه حب الاختلاط. الدين يغرس في الفرد فكرة النتيجة وان اي شيء تفعله سوف تحاسب عليه ،من خير او شر. الدين يعمل على أن يسمو ويتطهر الانسان من الخبث والخبائث والفحش والفواحش والبغي والاستبداد والظلم. الدين يجعل الفرد يؤمن بأنه وحدة متكاملة وأن أي جانب إيجابي سوف يؤثر على الجوانب الاخرى والعكس صحيح. الدين يجعل الفرد يؤمن بأنه ليس بمفرده في هذا الكون وإنما معه آخرون ولذا لابد ان يدخل معهم في علاقة انسجام وسلام. الدين يساعد الافراد على الدخول في حالة من السعادة والتوافق وتقبل ذاته ،بل وتقبل الكثير من احداث الحياة الضاغطة بنفس راضية ومطمئنه. الدين يمنح الافراد القدرة على التحمل وازدياد قوة المعاناة وبتالي تعزيز المناعة النفسية. الدين يعزز فكرة العوض وتحرير النفس من فكرة الانتقام . بعض الأديان كالدين الاسلامي يعزز فكرة القضاء والقدر (وهنا تساعد الفرد على تقبل الاوضاع التي لم يكن له فيها اي خيار) وتساعد الفرد على تقبل نفسه وذاته سواء أكانت هذه الامكانيات التي لديه محدودة أم كبيرة. الدين يحرر الفرد من الشعور المبالغ بالذنب وتبعياته،ويجعله يصلح من أحواله بشكل مستمر ولا ييأس،فالله غفور رحيم،وغير ذلك فإن طمأنينته وأمنه النفسي من التهديد. كل ما سبق ذكره ينعكس إيجابيا في زيادة مساحة الأخلاق الإيجابية مع تقلص الأخلاق المذمومة،لذا فالاديان جائت لتهذيب النفوس،وتقررأحوال الناس في العبادات والمعاملات تحقيقا لانتظامهم وائتلافهم في تكوين مجتمعاتهم بما يحقق لهم السعادة في دنياهم وأخراهم. كيف تحقق الاديان السماوية للفرد منظومة الصحة النفسية؟ • قوة الصلة بالله • الثبات والتوازن الإنفعالي • الصبر عند الشدائد • المرونة في مواجهة الواقع • التفاؤل وعدم اليأس • توافق الفرد مع نفسه • توافق الفرد مع الاخرين من الجدير بالذكر أن نتائج الدراسات التي تناولت السلوك الديني في الأفراد الذين يترددون على المساجد أو المعابد باستمرار: أقل تدخينا،أقل إدمانا،أقل انحرافا،اقل إجراما ،أقل أمراضاً عضوية مزمنة،اقل أمراضا نفسية وعقلية، علاقتهم جيدة مع الاخريين ،أكثر تقبلا ورضا عن أنفسهم،اكثر تفاؤلا ،لديه تخطيط جيد لليوم والغد والمستقبل،لديه حب الخير للاخريين. اذا فالدين عامل وقائي ومساعد علاجي بعد الاخذ بالاسباب ولكن لا يعتبر سبب مرضي في دائه او علاج لدوائه ،و مثال على ذلك هو الدين الاسلامي وحثه على الأخذ بالأسباب والتداوي والتفريق بين مبدئ التوكل والتواكل،كما تناول الكثير من علمائه تصحيح المظالم المتعلقة بالعين والحسد والمس. المعالج النفسي الديني؟ هو رجل دين (شيخ أوالقس) المؤثر منهم و يقوم بإشباع الجانب الروحي و تقديم الدعم النفسي والمشورة..ولا يشترط له أن يكون مختص بعلم النفس أو الطب النفسي، ونرى دوره من الجانب النفسي بالمصطلح المدعو(supportive psychotherapy) حيث يقوم باعطاء الفرصة للفضفضة (ventilation) وتقديم الدعم النفسي والمشورة في حل المشكلات عن طريق الدين. وهو من يفيد الفرد في أنه يزيل عن صدره كم من الالام التي كان يختزنها في صدره. "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. ويخفف من مشاعر الإثم والذنب ويتم إرشاده بالطريقة الصحيح لطريق التوبة والصلاح وزرع الامل وتحسين الحال.. ولكن يجب أن تتوافر في المعالج النفسي الديني شروط معينة ان يكون متبع لتعاليم دينه في سلوكياته وليس فقط في أفعاله حتى لا ندخل بالنفاق (َيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)،وأن يكون قدوة ونموذج مما لا تثار حوله الشبهات ،أن يتسم بسعة الصدر حيث يتقبل كافة أخطاء والآم البشر ويحتويها ويقومها بشكل غير منفر، وأن يكون شخصاً عطوفاً ودودا متسامحاً ومنصت جيد، حيث يمنح الشخص مهما كانت درجة آثامه وذنوبه الامل بالله والثقة في عفوه ورحمته ومغفرته (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) .. وأخيرا والأهم أن يكون ذو علم مواكب للعلوم الاخرى. وبالنهاية نؤكد على دور الأديان ورجال الدين في تعزيز الصحة النفسية ولكن بعيداً عن الجهل وقلت مواكبة العلم وممارسة التعصب والتطرف.