كالدو..
أثار حديث محافظ البنك المركزي في مصر، حول "تغيير ثقافة وفكر ارتباط سعر صرف الجنيه بالدولار"، الحديث عن كيفية تطبيق تلك الفكرة عمليا، وتساؤلات حول تأثير ذلك على الاقتصاد المصري.
وفي تصريحات، الأحد، كشف محافظ البنك المركزي المصري، حسن عبد الله، عن دراسة البنك "استحداث مؤشر للجنيه المصري" يقيس أداء العملة المصرية مقابل سلة من العملات وعناصر أخرى مثل الذهب، وذلك في مسعى "لتغيير الثقافة والفكر بشأن ارتباط سعر الصرف بالدولار".
وقال عبد الله خلال مؤتمر اقتصادي "احنا عايزين نبقى شايفينه (نرصد الدولار) قصاد (مقابل) كل العملات.. عملتنا زادت مثلا أمام الليرة التركي 100 بالمئة.. زادت أمام الإسترليني واليورو.. لكن الناس مبتشوفش (لا ترى) ده كله (كل هذا)".
وأضاف "احنا مش دولة (لسنا دولة) مصدرة للبترول عشان يبقى عندنا سعر (صرف) مربوط بالدولار".
ومنذ مارس، يتواصل تراجع الجنيه مقابل الدولار، إذ فقد نحو 25 بالمئة من قيمته ويجري تداوله حاليا عند مستوى 19.69، بحسب بيانات رفينيتيف أيكون، مقابل نحو 15.7 جنيه للدولار قبل الحادي والعشرين من مارس.
وفي 20 أكتوبر، أشار استطلاع لـ"رويترز"، إلى أن العملة المصرية ستضعف بوتيرة أسرع مما كان متوقعا، على الرغم من أن التضخم من المرجح أن ينخفض خلال السنوات القليلة المقبلة.
ومن المتوقع أن ينخفض الجنيه المصري إلى 21.16 بنهاية السنة المالية الحالية، وسيتراجع إلى 22.08 بنهاية السنة المالية المقبلة، بحسب استطلاع أجرته "رويترز" في الفترة من 10 إلى 19 أكتوبر.
لماذا الآن؟ تلك التطورات تثير التساؤلات حول أسباب اتخاذ البنك المركزي المصري تلك الخطوة في هذا التوقيت تحديدا.. فما السر وراء ذلك؟
يرى الخبير الاقتصادي والباحث في الاقتصاد السياسي، أبوبكر الديب، أن الخطوة تهدف لـ"التحرر من عقدة الدولار بعد ارتباط وثيق لأكثر من 60 عاما منذ عام 1962".
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير إلى أن "مؤشر العملة المحلية أمام العملات الأخرى والذهب بدلا من الدولار هو نظام معمول به في عدد كبير من دول العالم".
وبحسب الديب فإن "فك الارتباط يحافظ على قيمة الجنيه بعد أن حقق ارتفاعا ملحوظا مقابل بعض العملات الأجنبية الأخرى مثل الجنيه الإسترليني والليرة التركية"، لكنه تراجع أمام الدولار.
ويرجع الديب ذلك التراجع المستمر إلى "الطلب الكبير على العملة الأميركية ونقص المعروض بالسوق المصري وارتفاع سعر صرف الدولار عالميا".
وستحافظ الخطوة المقترحة على قيمة العملة المحلية مما يفيد في اتخاذ القرارات الاقتصادية في المستقبل، نظرا لإمكانية ربط الجنيه بعملات أخرى وكذلك الذهب، وفقا لحديث الديب.
ليست التجربة الأولى يؤكد الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، أن "فكرة سلة العملات في مصر ليست وليدة اللحظة وترجع إلى النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي".
وفي تصريحات لموقع "الحرة"، يشير الخبير الاقتصادي إلى أن مصر عانت وقتها من بعض المشكلات الاقتصادية، ما تسبب في زيادة الضغوط على الجنيه المصري، وكان يجرى تداول العملة المصرية عند مستوى 3.4 جنيه للدولار.
وفي عام 1999، تم تشكيل لجنة عمل لبحث أسباب أزمة الدولار في مصر، واقتراح أفضل السبل لحلها، وخلال عدة أسابيع ارتفع سعر صرف العملة الأميركية بنسبة تزيد عن 80 في المئة، لتصل إلى نحو 6.15 جنيه، وفقا لتصريحات عبدالمطلب.
وحسب المصدر نفسه، فقد توصلت الدراسة إلى ضرورة ربط الجنيه بسلة عملات رئيسية، إلى جانب الدولار، وأعلن البنك المركزي المصري وقتها بدء تنفيذ "فك الارتباط بالعملة الأميركية".
لكن بمرور الوقت، وزيادة التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة، وتصدرها قائمة الشركاء التجاريين للقاهرة، عاد الدولار ليصبح عملة المعاملات الرئيسية للبلاد، حسب حديث عبدالمطلب.
ويرى عبدالمطلب أن "مصر تعاني الآن من نفس أزمة التسعينات"، ولذلك عاد الحديث مرة أخرى عن ضرورة عدم ربط الجنيه بالدولار.
عملات أخرى وعقبات متوقعة يشير الديب إلى إمكانية ربط الجنيه بعملات أخرى كـ"اليورو" بدلا من الدولار، لأن الولايات المتحدة ليست الشريك التجاري الأول لمصر في الوقت الحالي.
ويؤكد الديب أن "الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لمصر في الوقت الحالي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين نحو 29.6 مليار دولار خلال العام الماضي".
وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة 9.1 مليار دولار، ولذلك فالأحرى ربط الجنيه باليورو، وفقا للديب.
لكن عبدالمطلب يتحدث عن عدة عقبات تواجه تطبيق فض ارتباط الجنيه بالدولار في الوقت الحالي، بعدما أصبحت العملة الأميركية "الأقوى عالميا"، وتجاوزت قيمتها اليورو للمرة الأولى منذ 20 عاما.
وخلال معاملات الثلاثاء، تراجع اليورو 0.07 بالمئة إلى 0.9866 دولار، ويبدو أن البنك المركزي الأوروبي مستعد لرفع أسعار الفائدة 75 نقطة أساس، الخميس، بهدف كبح التضخم المرتفع، وفقا لـ"رويترز".
ويشير عبد المطلب إلى "انخفاض الثقة في اليورو، وبدء حائزيه في التخلص منه واستبداله بالدولار".
وتراجعت أسعار الذهب إلى ما دون 1650دولار، وهذا الانخفاض مرشح للاستمرار، مما يعني أن المعدن النفيث "يفقد جزءا من أهميته كمخزن للقيمة لصالح الدولار"، وفقا لحديث عبدالمطلب.
وفي المعاملات الفورية، الثلاثاء، تراجع الذهب 0.1 بالمئة إلى 1646.79 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 0735 بتوقيت جرينتش، وفقا لـ"رويترز".
وينافس الذهب الدولار كوسيلة للتحوط ضد التضخم، وتقلل مكاسب العملة من جاذبيته الذهب للمشترين حاملي العملات الأخرى، وفقا لـ"رويترز".
وتزيد أسعار الفائدة المرتفعة من تكلفة الذهب الذي لا يحقق عائدا، بينما تدعم عوائد الدولار والسندات، حسب "رويترز".
ويتحدث الديب عن عقبات أخرى تواجه "فك ارتباط الجنيه بالدولار"، أهمها ارتفاع فاتورة الواردات المصرية مقابل الصادرات خلال الفترة القادمة.
الحرة