كالدو..
عبدالملك_الأغبري
خرجتُ صباح اليوم من غرفتي الكئيبة ذات النافذة الصغيرة التي سمئتُ من الجلوس فيها ، ولم يمنعني من تغيرها سوى فراغ جيبي الذي لا يعرف استقرار النقود فيه كما هو الحال تمامًا مع مشكلة العملة في بلادي واسعار الصرف التي تتغير كل يوم إلى الأسوء وهو حال المواطن ايضًا.
صعدتُ أحد الباصات متجهًا كلية الآداب التابعة لجامعة تعز لإستكمال بقية اجراءات التحويل .. وأثناء مرورنا بمعبر الدَحِي أو "معبر الموت" كما يسميه الكثير نظرًا لسخونة المعارك التي دارت هناك ، وقتل خلالها المئات وتشرد الآلاف كان في ذلك المكان فتاة في ربيعها الثالث عشر من العمر تقريبًا تنتظرُ أحد الباصات .. وأثناء ما اقترب الباص منها .. أَشَّرت بيدها البيضاء .. انها جميلة بشكلٍ استثنائي ، جميلة للغاية ، جميلة كقبح الحرب في بلادي ..توقف الباص جانبًا .. فقالت له : اَطلع معك بلاش للقاهرة لو سمحت؟!!
قلتُ لها : اطلعي .. وهو ما قاله لها صاحب الباص أيضًا ، كنتُ احترق لذلك الموقف وافكر متسائلاً؟ لماذا يحدث هذا في بلادي؟! لماذا أُهدرت هكذا كرامة الكثير من الناس ؟! لماذا يدفع هؤلاء الأبرياء ثمن الصراعات الهمجية؟! أعدتُ نظري نحوها فوجدتها بيضاء جميلة كوردةً تفتقت للتو .. وقلتُ في نفسي لماذا كل هذا الجمال يالله اصبح ضحية الحرب الظالمة في بلادي الكئيبة؟! اسئلة كثيرة كانت تدور في رأسي المثقلُ بالصداع والممتلء بالمشاكل .. انها مشاكل البلاد يارفاق .. مشاكل البلاد!! صَعَدت تلك الفتاة التي فاضت جمالًا وحُسنًا ، وجلست بالكرسي الذي أمامنا ، فتحرك الباص وواصل الطريق ، وأثناء ذلك أخرج أحدهم من جيبه بعض النقود وكان هذا الرجل يجلس بجانبي ، واعطاها قائلًا : تفضلي يابنتي .. واسرع بالقول هذه النقود كانت بالأرض هي من نصيبك!!
اعتذرت الفتاة .. لكن الرجل حلف بأن النقود من نصيبها وهي لها ، كانت فكرة الرجل حكيمة جدًا ، وسخيةٌ ايضًا كَـيَـدهُ التي اعطتْ لها المال!! أخذت الفتاة تلك النقود بمضضٍ .. وصل الباص إلى الحارة المجاورة لـقـلعة القاهرة التي تقع في السفح الشمالي لجبل صبر ثاني أكبر جبال اليمن وشبه الجزيرة العربية.
أوقفت الفتاة الباص عند الوصول ، وواصل الباص طريقه ، ففتحتُ حديثي مع الراكب الذي كان يجلسُ بجانبي وسألته عن عمله ؟ وفاجاءني عندما أجابني بأنه يبيع الخضار في السوق المركزي بمدينة تعز.. قلتُ له : لكنك اعطيتها الكثير من المال ودخلك ضئيلٌ جدًا مقارنة بما اعطيتها ياعزيزي قال : نعم تلك النقود كانت خاصةً بتاجر الجملة واصبحت من نصيبها! تنهدتُ بوجعٍ وقلتُ : لماذا يالله لم يكن ساسة البلاد بموقف هذا الرجل؟!! فأدركتُ أن جهنم لم تُخلق إلا لمثلهم.!!