كالدو..
أجرى الحوار:عبدالقادر البياضي
قصة النجاح ليست كأي قصة ، فهي لم تكن يوماً للتباهي ولم تكن بحثا عن غير المألوف، هي قصة صنعتها الصدفة، قصة لنشمية دخلت معترك حكر على الرجال وطوعت اعمال الذكور نحو الارادة الشجاعة للأنثى، وبرغم أنها إبنة مجتمع شرقي تحده كل حدود العادات والتقاليد والمألوف وغير المألوف.
قصتنا اليوم بطلتها النشمية الأردنية خولة الشيخ التي صنعت نفسها بنفسها وذللت أمامها كل المعوقات والصعاب التي تًحول بينها وبين إكمال طريقها وشغفها، فهي أنثى إنها تشع روحاً من العزيمة والإصرار والمثابرة، ومتأهبة ومستعدة لأي شيء مفاجئ، وهذا ما تتميز به النساء الناجحات بأنهن الأكثر معرفة لذاتهن.
من هي خولة الشيخ؟
خولة الشيخ أم لثلاثة أبناء وزوجة لمهندس ومقاول له عمل خاص به، وأول سباكة معتمدة في الأردن من هيئة تنمية وتطوير المهارات المهنية والتقنية (TVSDC) ولديها أكثر من 18 عامًا من الخبرة كمدربة مهنية مطورة للمناهج في السباكة والحفاظ على المياه والتكييف والتبريد، حاصلة على شهادة دورة عقدت في ألمانيا عام 2015 من خلال نقل التدريب الموجه للمدربين والمتخصصين في صيانة الأدوات الصحية والتدفئة والتكييف، حاصلة على درجة البكالوريوس في التصميم الداخلي من جامعة العلوم الإسلامية العالمية عام 2016، حاصلة على شهادة (TOT)، بالإضافة إلى شهادة مشرف سلامة وصحة مهنية مستوى مهني.
عملت مع المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية المانحة لتدريب النساء من جميع أنحاء الأردن على مهارات السباكة الأساسية والمتقدمة، والتكييف والخدمات الكهربائية الأساسية والصيانة.
حدثينا عن كيفية دخولك مهنة أعمال صيانة المواسير والادوات الصحيات؟
تقول العصامية خولة الشيخ، لم أتوقع يوماً أن اطرق معترك الرجال، ولكن الصدفة هي التي وضعتني بهذه المهنة ، فقد تولد لدي الكثير من وقت فراغ بعد أن كبروا أولادي وتناقص معدل الاعتماد علي من قبلهم، وهنا قررت تعبئة هذا الفراغ بشيء مفيد، فكانت أول الأفكار تلمع في رأسي أن اكمل دراستي التي لم توقفت بسبب زواجي عمر مبكر.
ولأن الصدفة هي الأساس لما أنا عليه الأن كما ذكرت سابقاً، قرأت خبراً بالجريدة عن دورة يقيمها ملتقى سيدات الأعمال والمهن الأردنية بعنوان (ترشيد استهلاك المياه )، فلم أتردد في الإنتساب اليها وخاصة أنها مفيدة على كيفية ايجاد الحلول لتوفير المياه والأردن يعد من الدول الفقيرة بالمياه كما تعلمون، ومن هنا بدأت العمل التطوعي بنشر التوعية لربات البيوت حول بأهمية تركيب قطع توفير المياه .
مرة أخرى تتدخل الصدفة عندما طلبت مني إحدى السيدات أن أصلح الحنفية قبل تركيب قطعة التوفير كونها تسرب المياه ، فطلبت منها أن تحضر مواسرجي، فقالت لا تستطيع أن تدخل رجل لمنزلها وهي وحدها، وفعلاً نقلت الفكرة لملتقى سيدات الأعمال والمهن الأردني وتم عقد أول دورة ل (16) سيدة في مؤسسة التدريب المهني بقسم الذكور لمدة 3 أشهر بدعم من الـ USAID وعنوانها صيانة الأدوات الصحية المنزلية، وللأسف وبسبب ثقافة العيب، أنا الوحيدة التي خاضت هذا المجال المحتكر على الرجال، وبتشجيع من زوجي الذي ضمني للفريق الذي يعمل مع شركته للمقاولات والإسكان.
وبحمدالله تقدمت من بعد ذلك لامتحان مزاولة المهنة من مؤسسة التدريب المهني في عام 2006 وحصلت على الشهادة وذلك لتغيير نظرة المجتمع تجاه المرأة بهذه المهنة وكسر ثقافة العيب.
كيف تفسري دخولك هذا المجال من العمل؟
هناك مقولة في المجتمع مفادها " ان الحاجة هي أم الاختراع" ومن ثم كانت الصدفة بانتسابي لدورة صيانة الأدوات الصحية التي علمتني أن المرأة هي العنصر المهم في التوعية وتعاملها مع المياه، من ثم كانت السيدة التي طلبت أن أصلح لها الحنفية وعدم إستطاعتها جلب موسرجي لطبيعة مجتمعنا الشرقي، ولأهمية هذا الأمر بالإضافة لقناعتي التامة بأهمية هذه المهنة للسيدات وخوفا أن يكون مصير هذه المهنة هي الموت حرصت على أن استمر بالعمل بهذه المهنة حتى تبصر النور يوماً ، والحمد لله تحقق هذا المنال.
ما هي ردود الفعل أسرياً ومجتمعياً لقرارك دخول أعمال صيانة المواسير والادوات الصحيات ؟
صراحة زوجي هو الداعم الكبير والمهم فلولاه لما وصلت اليه الآن، وأفراد أسرتي منهم من كان داعماً ومنهم من تحفظ ، ومن كان متحفظاً وأصبح داعماً مع مرور الوقت ، بعد ما حققته من نجاح، وهذا ما كان له الاثر الطيب على ربات المنازل اللاتي أصبحن يطلبن سيدات "مواسرجيات" بدلاً من الرجال ،
أما المجتمع فكان التحدي الأكبر فنحن في مجتمع لا يثق بقدرات النساء بأمور عدة فكيف أن تكون مواسرجي، ولذا كانت البداية بأن ركزت على تعليم المرأة كونها سيدة المنزل وينبغي أن تكون قادرة على التدبير في كل نواحي المنزل، وبفضل الله وعزيمتي وتصميمي ، أثبت قدراتي ، فتغيرت نظرة المجتمع لعمل المرأة بهذه المهنة ، والأن أصبح هنالك عدد من السيدات العاملات في مهنة التمديدات الصحية.
ما هي اهم الصعوبات التي وجهتك؟
للأسف ان تكون أكثر الصعوبات من المرأة نفسها، وذلك يرجع لكثير من الأسباب أهمها مستوى التوعية والثقافة والتربية الشرقية التي تجعل منها لا تمتلك قرار نفسها.
ولكن مصدر قوتي وإصراري هي جلالة الملكة رانيا العبدالله "حفظها الله" التي تشرفت بمقابلتها قبل سنوات، وقدمت كل الدعم المعنوي بعرض صورتي معها على صفحتها الخاصة بالفيس بوك، وفي يوم المرأة العالمي شرفتني جلالتها بنشر صورتي معها وتحدثها عن طموحاتنا واصرارنا ، كما تم دعوتي من قبل جلالة الملك عبدالله "حفظه الله" لحضور الاحتفال الخاص بعيد الاستقلال الـ 70 في القصر الملكي وكان هذا كفيلاً بأن يحثني ويحفزني على الاستمرار بما أعمل.
هل هنالك جهات تبنت دعم وتطوير مشروعك وافكارك ؟
داخلياً تبنت بعض الجهات حكومية توظيف سيدات بمهن غير تقليدية للعمل في قسم الصيانة داخل مؤسساتها هو الأمر الأول من نوعه في الدول العربية، وعلى الصعيد الأخر هنالك بعض المنظمات المحلية والأجنبية التي تبنت أفكارنا الريادية مثل( الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، والوكالة الامريكية للتنمية الدولية وتايوان والاتحاد الأوروبي).
أين أصبحت النشمية خولة الشيخ الأن؟
بحمد الله تم في عام 2019 من قبل السيد رالف كوهينج نائب مدير الوكالة الامريكية للتنمية الدولية إفتتاح مركز "سواعد النشمية للصيانة" وهو أول مركز تدريب مهني خاص بالمهن الغير تقليدية للسيدات وبأعلى المواصفات، كذلك إفتتاح أول دورة لصيانة الهواتف الذكية لفئة الصم العام السابق 2021 .
هذه التجربة الناجحة ماذا هل كانت سبباً لفتح مجالات اخرى للسيدات لم تطرق بابها من قبل؟
الحمد لله أنني كنت محفزة لفتح أبواب العمل المهني الغير تقليدي للمرأة الأردنية مثل ( التكييف والتبريد، ميكانيك وتجليس السيارات، النجارة..الخ).
أين تري دور الإعلام المحلي من اقتحامك هذا المجال ؟
الاعلام عامل أساسي ومهم في نشر التوعية عن أي فكرة وهو سيف ذو حدين اذا ما احسن استخدامه، فهو مهم جداً لتحقيق النجاح أو الفشل ، وقد كانت بدايتي مع الإعلام من خلال البرنامج الشهير "كلام نواعم" على قناة MBC في لبنان، ومن ثم ظهوري على قناة التلفزيون الأردني في برنامج يسعد صباحك "كفارسة حلقة" وبعدها بدأت الصحف والمجلات والقنوات المحلية والعربية والأجنبية في عمل مواد إعلامية عن طبيعة عملي، وهو الأمر الذي اسهم وبشكل كبير في زيادة الوعي للمجتمع عن مهنة السباكة التي تمارسها المرأة.
ولا يفوتني أن استذكر عرض فلم ( Water Proof ) حول قصة نجاحي وتاثيري بالمجتمع في مهرجان الأفلام الوثائقية في ألمانيا عام 2019 .
كلمة أخيرة لمتابعي وقراء مجلة كالدو؟
أقول لكل امرأة ما قاله نابليون بونابرت ( من قال: لا أقدر قلت له: حاول ومن قال: مستحيل قلت له: جرب)، لذا عليكي الإيمان بما تريدي وإرادتك هي مفتاح نجاحك للوصول لهدفك مهما كانت التحديات والمصاعب.
ولمجلة كالدو أقول شكراً على تسليطها الضوء على مجال عملي وذلك يدل على دعم المجلة للمرأة بجميع مجالات العمل واتمنى التوفيق لهذه المجلة.