كالدو:
بقلم وتحقيق :عدنان متروك راشد الشديفات
عُرفت العديد من العادات والتقاليد الإجتماعية والثقافية في المجتمع التونسي، وقد برز أهمها مناسبات الزواج حيث لا يكتمل الاحتفال بالزواج التونسي خلال يوم واحد فقط، وإنما في بعض الأحيان يمتد إلى سبعة أيام أو أكثر ويكون مسبوقاً بـمراسم “الخِطبة” على أكمل وجه، التي تُعدّ وسيلة للتعارف والتواصل بين أهل الخطيبين “العريس والعروس”.
تبدأ مراسم الخطوبة لدى الشعب التونسي بقراءة الفاتحة، بعدما يقوم الخطيب بإحضار مصوغاً ذهبياً لخطيبته يقدمه لها مع بعض الهدايا الرمزية وكعكة الخطوبة ومجموعة من المرطّبات؛ دلالة على الاستبشار والتفاؤل بالمستقبل القادم، ثم بعد ذلك تبدأ فترة قيام العروسين في التجهيز لعش الزوجية القادم، وتجهيزات منزلهما المستقبلي.
وعندما يحين موعد الزواج، فإن الاحتفالات تستمر أسبوعاً كاملاً وتكون الليلة السادسة لحفلة الزواج، أي أنها مخصصة لتجهيز العروس، إذ ترتدي الحجاب في المنزل وبعد ذلك تبدأ الاحتفالات بـ “حمام العرس”.
حمام العرس التونسي: هو حمّام تذهب إليه الفتاة برفقة أقرانها، يأتي بعده ليلة الحنّاء والنقش وهي ليلة مميزة تسبق حفل الزفاف بيومين وتسمى “الوطية” حيث يرتدي فيها الشاب والفتاة ملابس تقليدية جميلة مثل “الجبة للشاب” و “القفطان للفتاة”. وبعد ذلك يُعقد القِران في أجواء احتفالية مميزة وتقام جلسات وجماعات الطعام للأشخاص المهنئين، التي تتكون في كثير الأحيان من الأكلة التونسية المشهورة “الكسكسي و الطاجين و السلطة المشوية”.
أما في اليوم الأخير من أيام الاحتفال بالزواج فيقوم كل من الشاب والفتاة بالذهاب إلى صالونات الحلاقة والتجميل، ومن ثم يصطحب العريس عروسه إلى منزل والديها، ثم إلى قاعة الأفراح لينتهي الاحتفال البهيج بقصد أحد النُزل لقضاء شهر العسل.
ومن هنا لا بد من التوضيح والدخول في التفاصيل و حيث تتميز منطقة الحمامات في تونس بأنها بحرية الهواء و ذات أجواء احتفالية سواء في الصيف أو في الشتاء ذلك أنها تحتوي في احياءها وجنباتها الكثير من التراث العربي التونسي القديم ولا يستطيع أي عابر من هناك إلا أن يقف لكي يشاهد القلاع والحضارات التي تعاقبت عليها منذ الالاف من السنين .
فالنهج هناك هو المكان واللوطة والبلاصة هي مسميات للمواقع المختلفة ومما يدل على أن هؤلاء السكان إنما يتمتعون بمحبة لبعضهم في المناسبات الاجتماعية وغيرها، فهم ذوي طبع هادي ولديهم من المعرفة الكثير ولا بد لك أن ترجع على سيدي بوحديد، ليستثيرك تلك الصالونات الأدبية والفكرية وأمواج البحر قد لامست جدار قلعتها ... وهؤلاء هم الصيادين اللذين علمهم البحر صبر ايوب كيف لا وهم من جابو الحوت .
يحترم أهل الحمامات خصوصيات البعض فتجد البيوت ذات الطابع الابيض كبياض قلوب اهلها وأبوابها الزرقاء كلون بحرها وقد غطتها الازهار من الخارج لكي تكتسي بمحبتهم أهلها .
هناك على جنبات نهج الملعب وفي دارة الغربي تحديداً أهازيج وزغاريد تنطلق صبح مساء وهاك العم حليم يستعد لفرح ابنته البكر المهندسة التي تعمل في فرنسا وقد أتت للتو الى تونس لتتشارك مع نصيب العمر ورفيق الدرب الحياة، الاستعدادات على قدم وساق، ولكن الاهازيج والاغاني الشعبية حاضرة ومدوية في المكان فتأتي سيارة محملة بالتجهيزات التي تليق بالحمامية لتصنع من اللوطة لوحة فنية تزدان بالحضور من الاصدقاء والجيران والمعارف .
وحيث يمتد العرس قرابة الاسبوع فهو ذو طابع عربي محافظ على العادات والتقاليد الحمامية حيث يقوم أهل العروس بتجهيز العروس ويقوم والد العروس ووالدتها باختيار ما يناسب المكان المخصص لحفل الزفاف وعقد القران، حيث أن عقد القران يأتي قبل العرس بيومين فهو على غير عادة أن يأتي قبيل موعد العرس ولكن لأن العرس سيكون على مدار الأسبوع ولكل يوم خصوصية معينة نظراً لاختلاف الفعالية فيتم في ذاك اليوم تجهيز الخيمة والبراسولات وتزويقها ويتم إحضار الورود والوجق ومن ثم يتم تجهيز منصة الزوجين ويقوم والدا العروس بتجهيز واختيار ما يناسبها من أنواع الضيافة.
حيث تتم دعوة المعازيم من أصدقاء وانسباء واقرباء وجيران لتناول الافطار اي غداء العرس الذي يقوم على تحضيره مع والدة العروس الجارات من كبار السن في حوش الدار ويقمن بطهي طاجن الدجاج مع الجبن والعظّم اي البيض والمشوي بالفرن والبهارات والسلاطة المشوية ومرقة الموالح المكونة من اللوبيا واللحم البقري المفروم والموالح والمعكرونة مع اللحم البقري والجبن وسلطة الارز والموالح والطون والذرة أما الخبز فقد اعد خصيصاً لهذه المناسبة ويسمى خبز السميد المدور.
ذاك هو الطعام التقليدي لأهل الحمامات الذي اعتادوا على تقديمه في اليوم الأول للفرح بالزواج لبناتهم حيث يخصص مكان في زاوية معينة من الخيمة لأهل العريس اللذين يحضرون مع المعازيم لتناول ذاك الإفطار حيث يتم تقديم الاطباق المعازيم بشكل فردي على طبق كبير مقسم فيحتوي كل هذه الأصناف اللذيذة والتي أعدت بعناية من قبل ذوات الخبرة ثم تتم التحلاية بالمندلينا والبرتقال والتاي الاخضر بالبندق اي الشاي الاخضر بالصنوبر لأن الفصل هو الشتاء أما صيفأ يستعاض عنها بالدلاع اي البطيخ أو الفريز والعنب حيث يساهم شباب وبنات العائلة ويتولوا مهمة توزيع الطعام والشراب للمعازيم .
بعد الغداء تنطلق الزغاريد والاهازيج هنا وهناك فرحا ٔ بالعروسين من خلال الزهو اي الطرب الحمامي ايذانأ ببدء مراسم البهجة التي تستمر طوال الأسبوع بفعاليات مختلفة حتى يوم الدخله .
وعلى صعيد متصل يكون العريس قد بدأ الفعاليات بحفلة في بيته أو في مطعم و صالة يكون الحضور فيها من الاصدقاء والجيران والمحبين وتستمر حتى ساعات متأخرة من الليل يتم خلالها ترديد الأغاني الشعبية الحمامية التونسية ومنها على سبيل المثال لا الحصر ( واحنا أولاد الحمامات آي آي ونحبوا الشيخة والنصبات آي آي والسهرة في الوتلات آي آي يعني الفنادق والدزه راهي كاينات آي آي يعني الفلوس موجودة ).
أما في اليوم الثاني فالتجهيزات تختلف تماماً من حيث المعازيم الضيوف والمعازيب اي أهل العروس حيث يتم التجهيز لمراسم عقد القران ( الصداق) حيث يحضر متخصصين لشؤون الخيمة ويتم تزيينها بالورود وتلبيسها بالساتان الابيض وتركيب ثريات الزينة والورود في كل مكان ويأتي أقرباء العروس ويستعدوا لاستقبال الضيوف وأهل العريس اللذين يأتون محملين بالصاغة (الذهب ) والحلويات اي الشوكولاته ويتم استقبالهم في البلاصة المخصصة للحفل من قبل والد العروس واعمامها واخوانها ثم يقوم العريس باصطحاب العروس إلى المنصة ومن ثم الشوتينج على البحر كعادة الحماميين جميعاً في التقاط الصور على شاطئ البحر والأماكن الأثرية في الحمامات وتحديداً بالقرب من القلعة ( لبلاد العربي ) والبرج الاثري بينما أهل العروس يقوموا على تقديم الخدمة وتحضير الحلويات التي تصنعها عمات وخالات العروس وبنات عمها المعرسات اي المتزوجات ويتكون من المقروض الحمامي والفطائر ( اذان القاضي ) والبقلاوة والمشاريب التي تصنع من عصير الكيوي والكريمات وقارص اي الليمون وعصير الفريز والقهوة العربية الكحلا اي السمراء وقهوة الحليب والشاي بالبندق اي الصنوبر .
ثم يحضر عدلي إشهاد( العقاد ) الذي يقوم بمهمة عقد القران اي كتب لكتاب والاشهار به أمام الحضور من الموجودين وبصوت عال امام المتصاهرين حيث يردد خلال الاشهار آيات من القرآن الكريم ومن ثم الحديث الشريف ومن ثم يقرأ دعاء التوافق للزواج ما بين العروسين في ذات الوقت تكون هناك الاغاني الحمامية الشعبية حاضرة في المشهد حيث يقوم الجميع بمشاركة العروسين الرقصات والدبكات مع تقديم النقود إلى المطرب الذي يحيي الحفل لتنطلق الزغاريد والاهازيج مجددا وبصوت عال فرحاً ويؤدوا جميعاً الزهو ( الاغاني الخاصة بالفرح الحمامي ) وسامر الزهو طوال ساعات وحتى الليل حيث جرت العادة قبيل اجتياح حائحة كورونا أن يتم العقد للقران واشهاره في المسجد من قبل إمام الجامع بحضور أهالي العروسين من الرجال ويرتدي العريس فيه أيضاً اللباس الحمامي التقليدي المكون من (العمجّة والفرملة ) وهو الجلباب والشروال العربي .
وفي اليوم الثالث تكون التكاليف للحفل باهظة جدا ً يتحملها والد العروس حيث يكون عنوان ذلك اليوم ( اللوّطية) وهو اللباس العربي. المكون من الجبه المرصعة بالذهب وهي ثمينة جداً وهي خاصة بالعروس الحمّامية حيث تبلغ كلفتها من ٤٠ إلى ٨٠ مليون فرنك تونسي وتتم صناعتها في الحمامات بالتطريز والشغل اليدوي على ( القرقاف) وبدقة متناهية ويتم اما شراؤها بالمبلغ المشار إليه أو عن طريق ( الكراء ) اي استئجارها بواقع مليون فرنك تونسي بالليلة من أجل ( التصديرة ) ويقف مع العروس بالمنصة فقط ( حضّارات) اي نساء معرّسين جدد اي متزوجات حديثاً ويرتدين جميعهن ( اللوّطية) .
وتذهب قبل ذلك العروس إلى (الحجامة) اي الكوافيرة وتمضي طوال ست ساعات تجهيز نفسها لهذه الليلة حيث تصطحب اعز صديقاتها لتساعدها ويتم تجهيز اللوطة والبلاصة بجميع الحاجات وتكون الأرضية قد غطاها النجيل الاخضر من أجل الحفاظ على الحبة المرصعة بالذهب والمجوهرات حيث يتم إحضار كرسي العروس الخاص باللوطية حيث تأتي العروس من بيت اهلها إلى نفس لبلاصة اي الساحة المحددة والخاصة باللوطية ويأتي أهل العريس من النساء ويقومن بإيصالها من بيتها إلى كرسي العروس ( الجِلوه) محاطة بالموجودين من الحضور من نساء وبنات يحملن الشموع والبخور ويرددن ( طالعة من بيت أبوها رايحة لبيت الجيران) حيث تجلس كما الملكة على عرشها ويقمن الحضّارات من أهل العريس والمكونة من خمس نساء ( بتجليها ) يرفعن يديها لكي تعرض أمام الحضور من المعازيم ما لديها من صياغة وحلي ومجوهرات في ذات الوقت يكون والدها قد وضع يده على رأسها ويحمل بيده الاخرى حوته مطروزة اي مرصعة بالذهب ويقمن النساء من أهل العريس برمي الحلوى من خلف العروس أمامها ويقوم الاطفال الحضور بتجميع هذه الحلوى حيث تتزين الصبايا في ذات الوقت بالزي التقليدي الحمامي أو السواريه الشرقي حيث تستمر اللوّطية ساعتين يتخللها ربع ساعة الجلوة ويتم فيها غناء شعبي حمامي ( إجليها يا ماشطة لله لله) وهي أن تقوم مرافقات العروس من الحضّارات برفع يديها للأعلى لرؤية الذهب والمجوهرات .
أما في رابع أيام الاحتفال بالزفاف التي يسبقها بمدة شهر أن يقوم الغريس بدفع النقد المتفق عليه في العقد للعروس وهو حسب ما تم الاتفاق عليه انا خمسة أو ستة ملايين تقوم بتجهيز نفسها من هذا النقد ليوم الدخلة حيث تبدأ مراسيم الحفل من عند الحجّامة حيث تقضي العروس ساعات طوال لدى الكوافيرة من أجل ارتداء بذلة العرس البيضاء ( روبة العرس ) وهي تنجم اي تستطيع انا تكريه اي استئجار أو شراء كيما تحب اي كيفما تشاء مع صديقتها المقربة وتتزين في قاعة الأفراح التي حجزت خصيصاً لهذا اليوم وهو يوم الدخلة حيث يأتي أهل العريس في موكب زفاف قد تزينت سياراته حيث يدخل لعريس وأمه وأبيه ويحضر العروس من بيت أهلها وينطلقوا جميعاً في موكب واحد جمع أهل العروسين والمعازيم إلى صالة الأفراح التي أعدت الفرقة الموسيقية اجمل الأغاني التونسية وتستمر إلى ساعات متأخرة من الليل يصطحب العريس عروسته إلى النزل اي الفندق المخصص لقضاء ليلة الدخلة حيث ارتدى العريس بدلة العرس .