كالدو..
الدكتور هاني الجبالي أخصائي الطب النفسي و معالجة الإدمان
إشاعات الادوية النفسية بين الحقائق وأنصافها :
هنا يجب أن نوضح بأن العديد من اإلشاعات حول الادوية النفسية عبارة عن أنصاف حقائق ويجب توضيحها، والجزء الأخر من هذه الإشاعات ما هي إال خزعبلات مرفوضة جملةً وتفصيالً. -
هل الأدوية النفسية زائفة في قدرتها أو مبالغ في فاعليتها؟
إن الأدوية النفسية على اختلاف مجموعاتها، مثلها كمثل سائر العلاجات الدوائية، تختلف قوة تأثيرها العلاجي ونجاحه على حسب جودة التشخيص، ومناسبة الدواء لحالة المريض، ومدى التزام المريض، وكذلك شدة المرض، ومدى توافر العوامل المساعدة في إنجاح العلاج، مثل تعاون الأسرة والعلاجات النفسية غير الدوائية الأخرى الداعمة.
وهنا إلى مثال الإكتئاب وعلاجاته لبيان دور العلاج وشدت الحالة، فقد أثبتت الدراسات أن تلك الأدوية، تأثيرها ضعيف في حالات الإكتئاب الضعيفة وأنها أكثر فاعلية في حالات الاكتئاب المتوسطة والشديدة.
هل الأدوية النفسية تسبب إدمان؟
اولًا: يوجود اكثر من مئة دواء نفسي في الصيدليات، ومجموعتين فقط من هذه الأدوية هي التي تكون مسؤولة عن الإدمان.
وهذه المجموعات المسؤولة عن تسبيب الإدمان: يستخدمها الطبيب النفسي بحذر مع بعض المرضى ولفترات قصيرة لا تتجاوز عدة اسابيع وذلك لكي لا يدخل المريض في دائرة الإدمان، الا في بعض الحالات المستعصية والشديدة فقد يكون هذا الصنف من العلاجات النفسية مباح.
وهنا نذكر بأن الطبيب النفسي هو من يعالج االإدمان وبالتالي لا يعقل أن يسببه، ولكن كم ذكرنا بعض الحالات المستعصية والشديدة تستوجب استخدام مثل هذه الاصناف ، وهنا الطبيب مجبر وليس بطل.
أما ما يتعلق بخصوص سائر المجموعات الدوائية النفسية الأخرى فهي لا تسبب إدمان على الإطلاق، ودليل ذلك بأنها غير مدرجة من الدولة ويمكن الحصول عليها دون وصفة طبية، وعلى النطاق الشخصي أرفض فكرة أن تباع دون رقابة، وذلك من باب تجنب سوء الاستخدام، فيجب أن تكون تحت إشراف طبي نفسي، ويجب ذكر رغم أن العديد من الأدوية النفسية لا تسبب الإدمان، الا أنها تتشابه ببعض، فمثلا بعض الحالات يضطر بها الطبيب إلى رفع الجوانب مع العقاقير المخدرة، تركيز الدواء بعد فترة، أو أن التوقف المفاجئ عن تعاطيها قد يسبب تدهور الحالة....إلخ، لكن لا يعني هذا على الإطلاق أن تلك المجموعات من الأدوية تسبب إدمان، فتصاعد الجرعة في بعض الأوقات يكون متناسبا مع شدة الحالة وحاجتها للمزيد من الدواء، وليس بسبب ظاهرة التعود الإدماني التي تسببها المخدرات، والتوقف المفاجئ للادوية يسبب تدهور الحالة وعودتها إلى مربع الصفر، وهذا لعدم اكتمال علاج المرض، وليس لان تلك الأعراض انسحابية بذاتها.
وهذه النقطة بالذات علينا التوضيح بأن الإدمان يعتمد بشكل أساسي على الشخص نفسه، فهناك أشخاص لهم قابلية على الإدمان، مثل ذلك المعتاد على أخذ أقراص البنادول، وأقراص البنادول معروفة لدى الجميع بأنها لا تسبب إدمان، ومثال أخر كإدمان عادة معينة.
وسبب رئيسي أخر في تسبيب الإدمان هو صرف العلاج من غير الإستعانة بطبيب نفسي.
ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد، أن بعض الأدوية النفسية رغم أنها غير تابعة للإدمان ) كمضادات الإكتئاب ( ولكنها بعد فترات طويلة من الإستخدام قد تسبب بعض الأعراض الانسحابية الخفيفة والمؤقتة والتي لا تحتاج سوى التوجيه والتطمين من قبل الطبيب النفسي.
وهنا نؤكد بضرورة الطبيب النفسي بحيث أنه هو صاحب الدراية بالحالة المرضية ومدة علاجها والدواء الواجب استخدامه.
- هل الأدوية النفسية تعالج الأعراض فقط أو أنها تصل إلى جذر المشكلة؟ ً
الأدوية النفسية ولا سيما مضادات الإكتئاب تساهم في علاج الأعراض والمرض معا، و ان كان بالطبع الأثر الأسرع لها هو السيطرة على أعراض المزاج السيء وما يصاحبه من قصف الأفكار السلبية وجلد الذات، بينما العلاج الجذري يتأخر قليلًا ويحتاج إلى تضافر الوسائل العلاجية غير الدوائية psychotherapy ، وخلق بيئة أسرية واجتماعية أكثر صحية، ولا يمكن الإستهانة بأثر السيطرة على الأعراض في القضاء على المرض نفسه.
فبعض الحالات الشديدة من الإكتئاب على سبيل المثال تكون فيها الأفكار السلبية والإخبارية قد هيمنت على ذهنها بالكامل، وجعلت طاقتها على الفعل مستنزفة للغاية، وبالتالي يكون من العسير عليها أخذ خطوات إيجابية في ً حياتها لكسر حلقة الإكتئاب المفزعة والمهيمنة.
وهنا يأتي دور مضاد الإكتئاب، بناءا ً على وصف الطبيب النفسي طبعاً، فيسيطر ولو جزئيا على تلك الأعراض، فيصبح الشخص أكثر قدرة على العودة إلى عمله وأنشطته اليومية وبالتالي امتلاك زمام المبادرة في إخراج نفسه من حالة الإكتئاب.
ما حقيقة االثار الجانبية لالدوية النفسية؟
يكاد لا يخلو دواء فعال في أي مجال من أثار جانبية غير مرغوب فيها، لكنها تتصاغر على الميزان أمام الفوائد العلاجية المرجوة، وهذه الأعراض لا يشترط حدوثها لكل شخص وتتفاوت شدتها من شخص إلى أخر، ويمكن للطبيب النفسي أن يصل للدواء الأنسب والأقل أثار جانبية بالنسبة لكل مريض.
ونذكر هنا في بعض الحالات الشديدة والمستعصية يكون الطبيب النفسي فيها مجبر لا بطل.
ما حقيقة أن العديد من الأدوية النفسية صديقة للجسم؟
مصطلح صديق للجسم يعني بأن الإنسان يستطيع أخذ الدواء دون أي أثار جانبية معيقة أو مسببة لاتلاف أعضاء الجسم.
ومن الجدير بالذكر أن الثورة الحاصلة للطب النفسي وعلاجاته، جعلت العديد من الأدوية النفسية الحديثة تندرج تحت هذا المصطلح.
وهناك العديد من العلاجات آمنة الإستخدام للأطفال والمراهقين والحوامل وكبار السن والذين يعانون من أمراض مزمنة.
ولكن يجب التنويه والتذكير بأن هناك حالات مستعصية والتي تجبر الطبيب عن الخروج عن مصطلح صديق للجسم وهنا تكون المقارنة بين الفائدة المرجوة من جهة والأثار الجانبية من جهة آخرى.