كالدو..
ابراهيم النجادات الحويطات
في الطریق الى الجنوب لا تشاهد الكثير من الشواخص المروریة الا ما ندر ، ولا عروض للمولات ، ولا تشاهد لوحات إعلانیة مضیئة ، أو أشجار بأحواض مرّبعة على الأرصفة ..
الطریق من الجنوب وإليه تدعوك للانحناء عظمةً ورهبةً واجلالاً .. والبیوت في الجنوب تدعوك للارتقاء رجولةً وأنفةً واحترامًا ..
في الجنوب لا تشاهد إلا أمهات یجلسن أمام بیوتهن یحرسن المكان بحبات مسابحهن .. وتشاهد رجالاً یشبهون الأرض ، ابتسامتهم ندى ودموعهم مطر .. في الجنوب تشاهد بعض الأعمدة مرفوعة فوق الغرفتین وقد تجمّد المشروع الى حین ميسرة ، ومع ذلك كتب عليه صاحب المشروع شاكرًا : "هذا من فضل ربي" ..
في الجنوب تشاهد جدات عظیمات تجاعيد وجوههن تشبه تجاعيد الوطن ، یتقنَّ الدعاء كما یتقنَّ البكاء ..
في الجنوب تشاهد أطفالاً یحملون كتبهم المدرسية من غیر حقیبة ، یبتسمون لكل الوجوه حتى الغریبة منها ، ویوارون فقرهم بتربیتهم العظیمة .. في الجنوب بیوت تفوح منها رائحة الشهادة ، وأخرى تفوح منها رائحة الفقر والقهر معًا .. بیوت تشبه الأردن تمامًا ، بسیطه لكنها عظیمه ، ضیّقه لكنها مفتوحة للجمیع .. بُنیت بالحلال و عُمّرت بالحب والحلال .. في بیوت الجنوب دروع للشرف وشهادات للوطن واُخوة أيتام یشبهون الآباء كثیرًا .. في الجنوب تشاهد شمسًا إستأذنت الجبال لتقبّل جبین الصحراء .. في الجنوب لا یوجد قصور ولا فلل ، ولا یوجد تضحیات كلامیة ، ولا یوجد مشاریع رؤساء ولا رؤساء مشاریع .. الناس في الجنوب بُسطاء لكنهم عُظماء بعزتهم وكرمهم وكرامتهم .. لا تعنیهم كل الأصفار التي توضع أمام الرقم .. فالوطن في نظرهم لیس كمبیالة ، ولا یقبلون أن یُحشر الأردن بخانة المستفید الأول ..
أهل الجنوب كما أقرانهم في الشمال والوسط والشرق يعانون الظلم والتهميش ، بإستثناء شرذمة من الفاسدين ..
أهل الجنوب لا یسافر الوطن في حقائبهم .. یسافر في حقائبهم مصحفٌ وسیفٌ وطحين ! "في الجنوب المنهوب تحدّث عن الظلم والتهميش بلا حرج"